الفصل الرابع: صفات يوم القيامة
قال تعالى (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) سورة البقرة، آية ١٦٦، توضح الآية أن كل العلاقات تتقطع آنذاك، وينعدم تأثير كل الارتباطات فلا ينفع شيء شيئًا آخر، وبما أن كلمات الله ثابتة لا تتغير فلا شيء يتغير مما يرتبط بها، وما يزول هو الموجودات السرابية، فكل ارتباط بغير الله سبحانه سراب فتنكشف حقيقته يوم القيامة لقوله تعالى (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) سورة الانفطار، آية ١٩.
وفي رواية سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق عليه السلام عن الروح هل تفنى بعد خروجها من قالبها الجسد أم تبقى؟ فأجاب الإمام عليه السلام: أن الروح تبقى حتى ينفخ في الصور، وعندها يبطل كل شيء، فلا يبقى حسٌّ ولا محسوس، ثم يعود كل شيء إلى أصله الذي خلقه الله عليه، وهذا يتم بعد فترة أربعمائة عام لا يتم فيها خلق شيء، وهذه الفترة رهن الزمن الفاصل بين النفختين، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تعالى يسأل (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) فتجيب أرواح الأنبياء والمرسلين والحجج: لله الواحد القهار، قال تعالى (مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) سورة غافر، آية ٧٤، تدل الآية على أنهم مخدوعون بسراب الدنيا.
كشف الخفايا
يتحول في يوم القيامة كل باطن لظاهر، عندها يتحد الغيب بالشهادة، لأن كل شيء هو حد ذاته شهادة، قال تعالى (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) سورة غافر، آية ١٦، ورد عن الصادق عليه السلام حول (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ) سورة الشعراء، آية ٨٨، أن المراد بالقلب السليم هو ذلك الذي يبقى الله تعالى دون أن يكون فيه مكان لغيره.
القيامة محيطة بالدنيا والبرزخ
إن انتفاء الأسباب وانكشاف البواطن تدل على إحاطة القيامة على الدنيا، وكذا قوله تعالى ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ) سورة طه، آية ١٢٩ والسبق يعني الحيلولة فإذا سبقت إلى مكان كذا يعني أنك أصبحت حائلًا بينه وبين ذلك المكان.
ظهور الباري
انكشاف الباطن يوم القيامة يقتضي ظهور الباري جلَّ وعلا، فالحجبُ ترفع، والحقُ يكشف ويظل الجميع إلى غاية الغايات، وعندما ترتفع الحجب سيمتلئ الفضاء بالنور (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) سورة الزمر، آية ٦٩، وقال تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) سورة إبراهيم، آية ٤٨، والمقصود بحسب حديث السجاد عليه السلام، هي أرض لا يرتكب عليها ذنب، أرض مكشوفة ليس فيها نبات أو جبل كما خلقها الله تعالى مستوية أول مرة، أما عرشه فيكون على الماء كما كان أول مرة قائمًا على العظمة والقدرة الإلهية.
المؤمنون لهم نورهم كما أن الكافرين لهم ظلماتهم التي اشتروها من الدنيا، وتوجد روايات تفيد بأن المشركين يكذبون يوم القيامة، وهذا يعتبر ظهور للمعصية في حياتهم، وهذا لا يتنافي مع “أن الكذب غير ممكن يوم القيامة“.