تمهيد
المتابع للمشهد الثقافي والفكري لا سيما الديني يجد نفسه بين اتجاهين:
١- التمسك بتراث السلف بحذافيره.
٢- الارتماء في أحضان الحداثة، وكلا الاتجاهين في سياق الافراط والتفريط.
يجب أنْ نأخذ بعين الاعتبار ثلاث مراحل:
١- إعادة التعريف.
٢- إعادة النظر.
٣- إعادة البناء.
ولا شك أنه مضى زمنٌ طويلٌ على عدم الغكتراث بعلم الأخلاق، مما أدّى إلى تخلف علمي فيه، وعليه فضرورة الرفد العلمي والتأصيل لميادين معرفية جديدة، تتسم بالدقة والانضباط، جاء كتاب “المدارس الاخلاقية في القمر الاسلامي“، وهو كتاب توصيفي تحليلي بل ونقدي كذلك لتحقيق هدف تحريك البحث العلمي في علم الأخلاق، وهذا الكتاب حاز على جائزة “أفضل كتاب” في مهرجان “الدين والعقل“، وهو جهد أعضاء لجنة الأخلاق والتربية في أكاديمية العلوم والثقافة الاسلامية.
المقدمة
ضرورة الاهتمام بالفكر الأخلاقي الإسلامي
في سورة الشمس عندما تعرض القرآنُ لبيان أهمية التربية والإعداد الروحي أقسم الله سبحانه أحد عشر مرةً، كما قدّم التزكية على تعليم الكتاب في مجموعة من الآيات، كما أنَّ حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” يكشف درجة اهتمام الدين بالأخلاق.
إن الإتقان في النظام الأخلاقي لأي دين هو أحد معايير الصدقية والأفضلية في الدراسات المقارنة بين الأديان، والحقيقة أنَّ البحوث النظرية في الفقه والتفسير والحديث والكلام والفلسفة أكثر بكثير من نصيب الموروث الأخلاقي، فلذلك ثمة ضرورة للبدء بحركة جادة ومخطّطٍ لها في الدراسات التخصصية في علم الأخلاق.
المدارس الأخلاقية تعريف ومقارنة
يمكن تقسيم الكتب الأخلاقية إلى:
١- الكتب الأخلاقية ذات الطابع الفلسفي العقلي.
٢- الكتب الأخلاقية ذات الطابع العرفاني السلوكي.
٣- الكتب الأخلاقية الأثرية.
٤- الكتب الأخلاقية التوفيقية.
مدرسة الأخلاق الفلسفية
الفرق بين الحكمة النظرية والعملية ما يلي:
١- الحكمة النظرية هي العلم بالأمور التي يحين تعلمها، والحكمة العملية هي العلم بالأمور التي ينبغي تطبيقها .
٢- الحكمة النظرية هي العلم بالموجودات، التي أمر وجودها خارج عن إرادة الإنسان واختياره، والحكمة العملية هي العلم بأحوال الموجودات التي يرتهن تحققها ووجودها في الخارج بإرادة الانسان فهي داخلة في متعلق قدرته، وتشمل الأعمال الاختيارية الجوانحية والجوارحية.
ويقسّم الفلاسفة الحكمة العملية إلى ثلاثة أقسام:
١- الأخلاق.
٢- تدبير المنزل.
٣- سياسية المدن.
والأعمال التي تصدر عن الإنسان عبارة عن الملكات المستقرة في النفس، وهي الخُلُق.
الأسس والمرتكزات في الأخلاق الفلسفية
١- تتمتع النفس بثلاث قوى: الشهوية – الغضبية – الناطقة أو (القوة البهيمية – القوة السبعية – القوة الملَكيّة).
٢- علاقة هذه القوى بأن تتبدّى في القوتين الأخريين.
٣- تتميز إنسانية الانسان بالتعقل والوعي والحكمة.
٤- سعادة الإنسان رهن التكامل العقلاني ووصول النفس الناطقة إلى مرتبة الفعلية التامة التي تميزه عن غيره من الأنواع.
إنَّ العقل البشري يمر عبر مراحل متعددة كالتالي:
١- العقل الهيولاني: النفس خالية من جميع الصور العلمي.
٢- العقل بالمَلَكة، النَّفس مطلعة على العلوم البديهية والكليّات.
٣- العقل بالفعل، النفس تكتسب العلم النظري ويمكنها استحضارها.
٤- العقل المستفاد، النفس مطلعة على كل شيء، في جميع الآنات ولاشيء من المعلومات خافٍ عليها.
الحكماء يَرَوْن في تهذيب النفس عملية رفع للموانع والعقبات التي تعترض مسارها نحو التكامل، فلذلك فعلم الاخلاق من منظورهم هو العلم الذي يعنى بدراسة العوامل النفسانية والممارسات الاختيارية التي تؤثر على مهمة التفكير وعلى مسار التكامل الذاتي العقلي، الذي يراد للنفس الناطقة أن تطويه.
اتجاهات الأخلاق الفلسفية
في مدرسة الأخلاق الفلسفية عدة اتجاهات، منها الإتجاه الجالينوسي والإتجاه الافلاطوني والإتجاه الفيثاغوري – الهرمسي، والإتجاه الأرسطي.
أولًا: الإتجاه الجالينوسي يتمثل في كتاب “الطب” لمحمد زكريا الرازي، إذ يتعامل مع الصدمات الروحية، فالإخلاق فرع من الطب العام، فالطب قسمان، قسم للأمراض الجسدية، وقسم للأمراض الأخلاقية والروحية. ثانيًا: الإتجاه الأفلاطوني يتمثل في كتب الفارابي ومسكويه، خصوصًا كتاب “تحصيل السعادة“، و“تهذيب الأخلاق“، ويؤكد هذا الإتجاه على الجانب الاجتماعي والمدني للسعادة.
ثالثًا: الإتجاه الفيثاغوري – الهرماسي يتمثل في رسائل إخوان الصفا، ويؤكد على الإيضاحات التمثيلية للحقائق الموجودة في العالم وفي الإنسان.
رابعًا: الإتجاه الارسطي، ويتمثل في كتّاب “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق” لابن مسكويه، وأبرز معالمه قانون الاعتدال.