” الحسد والغيرة “
سيكون حديثنا في هذه الأسطر عن أحد الأمراض الفتاكة الباطنية وهو بلاء يفتك بالأسر ويفسد الدين والدنيا والآخرة، عندما يرى أحدَ الأشخاص قد امتلك بيتًا جميلا أو مركبةً فارهةً أو فضيلةً أخلاقية بارزة كالشجاعة أو الكرم فيشعر بذلك بالضيق في قلبه ولا يتحمل ذلك، ويتمنى زوالها، فهذه الحال’ الباطنية تسمى الحسد وصاحبها الحاسد ومن وقعت عليه المحسود.
أمّا إذا لم يكره زوالها من بل تمنى مثلها فهذه الحالة تسمى الغبطة وهي حالة لا ضير فيها، أمّا الأسباب التي تدفع للحسد في الغالب فهي:
١ـ العداوة: بسبب ظلم إنسان لآخر أو تفوقه عليه بالحوار و النقاش أو غير ذلك.
٢ـ الشراكة وخوف المزاحمة: من الممكن أن يكون شخصان قريبين، ولدى أحدهم مزايا أكثر الآخر، بحيث لا يستطيع رؤية شريكه متفوقًا عليه.
٣ـ التكبر و حب التفرد: بأن يرى شخص نفسه أعظم و أعزّ من آخر مماثل، أو كحسد الدول الكبرى للدول الصغرى إذا رأتها تحاول إمتلاك أسباب القوة والعزة.
٤ـ البخل الشديد: فهو لا يعطي أحدًا شيئًا بل لؤمه وضيق قلبه لا يجعلانه أن يرى محتاجًا لغيره بل لا يصبر عل رؤية إنسان يحسن للآخرين.
٥ـ الحرص و الطمع: فمن كان مبتلًا بالحرص والجشع لا يقنع بما لديه بل يديمُ التفكير بالإستزادة وعينه على ما في أيدي الناس، فهو لن يهدأ له بال حتى يرى الآخرين مفلسين.
الحسد في القرآن الكريم
قال تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة البقرة، آية 159، فحين تبيّن لليهود والنصارى أنّ فضيلة الإيمان بالرسول والقرآن كانت للمسلمين، وأنّ أول آثار هذه النعمة توحدُّ قلوبُهُمْ ظهر الحسدُ عندهم وراحوا يسعون لزوال هذه النعمة عن المسلمين.
الحسد في الروايات
يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّهُ قال يومًا لأصحابه: ألا إنَّهُ قد دبَّ إليكم داءُ الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر ولكنه حالقُ الدين، وينجي منه أنْ يكفَّ الإنسانُ يدَهُ ويخزن لسانه ولا يكون ذا غمزٍ على أخيه، وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام: إنّ الحسد يأكلُ الإيمانَ كما تأكلُ النارُ الحطب، وجاء عن الإمام علي عليه السلام: الْحسَدُ يميثُ الإيمانَ كما يميثُ الماءُ الثلجَ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يجتمع الإيمان والحسد في قلب امرء.
مضار الحسد
أ ـ الحاسد دائمًا يدور في محنة الأمراض الجسدية التي منشأها المرض الروحي.
ب ـ الحاسدُ غالبًا يكون صفر الأصدقاء والأحبة لكونه لا يتحمل رؤية النعمة عند الآخرين.
ج ـ الحسود لا يسود لأنَّهُ إن ساد على جماعة سعى في إزالة النعم عنهم فيمنعه الله عن بلوغ غايته.
د ـ الحسدُ يفرح المحسود لمّا يرى من همٍّ وغمٍّ في من يحسده.
هـ ـ الحسود تزول حسناته نتيجة تبدل كل صفات الإنسانية لديه إلى صفات اللؤم وخبث المطية والأنانية وغيرها من رذائل الأخلاق والسلوك.
علاج الحسد
وظيفة كل عاقل أنْ يغوصَ في أعماق نفسه، وأنْ يجري مع قلبه تحقيقًا دقيقًا ومنصفًا إن أراد النجاة والفوز بالحياة الثانية وتحت ظل رحمة ربه، وعليه إنْ كان صادقًا في العلاج فسيكشف الله له عيوبه ويبصره بها ويعينه على علاجها، ولأن الحسد ذنبٌ قلبيٌ يصعبُ التخلصَ منه، فلذلك كان علاجه فيه من الشدة والصعوبة، والأمل بالله وحده يسهل في التخلص من هذه الآفة الخطيرة.
على الإنسان الحاسد أنْ يعرف ويتيقن بأن الفقر والغنى والصحة والمرض وحياة الناس جميعًا حتى بلوغ الأجل هي من الله سبحانه، وكلُّها من تدبير الله وقضائه و معرفته بمصلحة عبده، كيف لا وهو الحكيم الذي لا تصدر منه إلا الحكم والصالح والنافع والطيب لعبيده، وبالتالي لو عرف الحاسد أنّ قلة الرزق أو كثرته من الله سبحانه فلن يلتفت إلى آخر زميلًا كان أو قريبًا أو جاراً، كما أنّ الحسدَ يجعلُ حياةَ الحاسدِ في قلقٍ وهمٍّ و غمٍّ لا ينقطع، فما الداعي من لكل تلك البلايا وما الرجاء من ملاحقة الناس في ما يملكون من مواهب مادية أو معنوية.
إنَّ النظر للنّفس ومراقبة عيوبها والسعي الجاد في إصلاحها لهو الجهد و السعي المبارك الذي يقع بعين الله سبحانه، وكانت عين الله تعالى عليه فإنَّ الفلاح والنجاح حليفُهُ، وبكلمة تامة أيها المبتلى بالحسدِ حَسَدُكَ لنْ يغيّرَ شيئًا من حياة الآخرين، ولنْ يدخلَ النَّاسَ بسبب حسدك لهم جهنّم، ولن يأخذوا من رزقك مثقال ذرة، فَلِمَ كل هذا التعب والهمّ والحيرة في أمرهم، دّعْهم عنك واسعَ أنتَ في إصلاح ذاتك فإنَّهُ السعي المبارك والجهد المطلوب.