معنى الزهد والرغبة
الزهد: ترك شيء والاعراض عنه وعدم الميل والرغبة إليه، وبمعنى التحقير أيضًا. ويرى الكاتب لو كان الزهد الاصطلاحي عبارة عن ترك الدنيا للوصول إلى الآخرة يكون من الاعمال الجوارحية، إما اذا كان عدم الرغبة فهو من الاعمال الجوانحية، والترك إما لعدم الرغبة أو محدودية الرغبة، وأرجح الاحتمالات “عدم الميل الملازم للترك”، وبعده احتمال “أن يكون الترك من جهة عدم الرغبة”.
درجات الزهد ومراتبه
درجاته لا تعد ولا تحصي كما هي بقية الصفات النفسانية وهذه بعض درجاته:
- درجة زهد العامة: وهي الاعراض عن الدنيا للوصول إلى نعيم الآخرة، وصاحب هذه الدرجة أسير الشهوة ولكنه ترك بحكم العقل الشهوات الزائلة ليحصل على اللذات الباقية.
- درجة زهد الخاصة: وهي عبارة عن الإعراض عن المشتهيات الحيوانية للوصول إلى المقامات العقلانية، وتحصل هذه الدرجة بواسطة العلم والايمان، فتكون المشتهيات بواسطة العلم والايمان حقيرة في نظره.
- درجة زهد أخص الخواص: وهي عبارة عن الإعراض عن اللذات الروحانية وترك المشتهيات العقلانية للوصول إلى الجمال الإلهي، وهذه أول مقامات الأولياء والصالحين، والزهد الحقيقي عبارة عن الاستغناء عن اللذات وعدم الالتفات إليها.
منزلة الزهد بالنسبة إلى مقام السلوك الانساني والكمال الروحاني
المقصد الذاتي وغاية بعثة الأنبياء عليهم السّلامُ أن الانسان الحيواني يكون انسانا إليها ربانيًا، (كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف)، ولا يحصل هذا المقصد الذاتي إلا بأمرين:
- الإقبال على الله .
- الإدبار عن غير الحق تعالى.
من هذه الجهة فكل الدعوات الإلهية إما دعوة إلى الإقبال على الحق أو الإدبار عما سواه سبحانه، وجميع الأعمال القلبية والقالبية والظاهرية والباطنية إنا نفس الاقبال أو إعانة له أو إعراض هنا سوه أو إعانة له، ولعل ذلك أحد معاني الحديث (قلنا للعقل أقبل فأقبل وقلنا له أدبر فأدبر)، وليس الزهد بنفسه من الكمادات الانسانية بحيث يكون مورد توجه استقلالي، عن أمير المؤمنين عليه السلام (إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا)، عن الصادق عليه السلام (كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط، وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة)، وعنه عليه السلام (الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة من النار، وهو تركك كل شيء يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا إعجاب في تركها) .
الرغبة في الدنيا موجبة للإحتجاب عن الحق تعالى
المقصود من الدنيا الحاجبة هي كل ما يشغل الانسان عن الحق تعالى، فالسالك إلى الله وطالب الوصول إلى لقاء الله والصعود في مدارج المعارف الإلهية لابد له أن يرفع هذا الشوك عن الطريق بالرياضة الشرعية.
الزهد وضده : الزهد من الفطر ومن لوازم الفطرة المخمرة والرغبة من لوازم احتجاب الفطرة
خُلقتْ مع الانسان فطرتان، أصلية وفرعية ولعل جميع الفطر ارجع إليهما:
الأولى: فطرة عشق الكمال المطلق وهي الاصلية.
الثانية: التنفر من النقص وهي الفرعية.
فالزهد هو التنفر عن النقص وإعراض عن غير الحق تعالى، والرغبة إلى غير الحق احتجاب، فالزهد الحقيقي من أكبر جنود العقل وجنود الرحمن، الذي يحلق الانسان بواسطته إلى عالم القدس والطهارة.
الاستشهاد بالأدلة النقلية في الزهد
قال الله تعالى (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بِما آتاكم)، روي أنه لما رسول الله صلى الله عليه وآله عم معنى الشرح في قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) فقيل ما هذا الشرح ؟ قال: إن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح، قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وهل لذلك علامة قال: نعم، التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله).
عن حفص بن غياث عن إبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يجد الرجل حلاوة الايمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا، ثم قال أبو عبدالله عليه السلام: حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا.