المقصود من الرأفة والرحمة و ضدهما القسوة
الرأفة هي كمال الرحمة، وهي أرق من الرحمة، والرؤوف شديد الرحمة، كأنما الرحمة حالة للقلب المعنوي والرأفة حالة للقلب الجسماني، وهكذا الغضب حالة للنفس والقسوة حالة للقلب الصنوبري، ولكن هذا غير صحيح، لأن الحالتين متلازمتان للإدراك وبعيدة عن الجسم والجسمانية، فالمقصود من الرأفة من صفات النفس في وجهتها الظاهرة والرحمة من صفاتها الملكوتية.
الانفعال في الرقة ليس له علاقة في حقيقة الرأفة والرحمة بل هي حقائق وجودية باختلاف النشآت، مثل العلم والقدرة والحياة، تختلف أحكامها باختلاف منازل الصعود والنزول.
بيان تأثير الرأفة
الرحمة والرأفة والعطف وأمثالها من تجليات الجمال الإلهي لحفظ العائلة الانسانية، ولولاها لما تحملت أمٌ المشقة والمتاعب، ولذلك وقع المعلمون الروحانيون في المتاعب لسعادة العائلة الانسانية.
ونزول الوحي والكتب السماوية صورة للرأفة والرحمة الإلهيتين، والحدود والتعزيرات هي حقيقة الرأفة والرحمة (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
تكفي شدة الشفقة والرحمة في قلب رسول الله صلى الله عليه وآله لتسع العائلة البشرية كلها، عن أبي عبدالله عليه السلام: “يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل (رحماء بينهم) متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله “، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء”.
الفرق بين القسوة والغضب
القسوة عبارة عن غلطة القلب وصلابته، وفي القرآن القسوة في مقابل شرح الصدر (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله)، والغضب حركة وحالة نفسانية يحدث بواسطتها في القلب غليان الدم للانتقام.
الرأفة من لوازم الفطرة المخمرة ومن جنود العقل
الرأفة والرحمة من جنود العقل والرحمن ولو بلغ الظالم أي حد فهو رحيم عطوف رؤوف لِـمَنْ هم دونه، والرحمة والرأفة مودعتان في قلب كل إنسان تجاه كل حي، ويحاول الظالم أن يجري القساوة في صورة الرحمة لأن الفطرة تفر منه.
ثمرات القوة الغضبية
القوة الغضبية إحدى النعم الإلهية، فهي تحفظ البقاء الفردي والنوعي، ويدفع الانسان بها المؤذيات الداخلية والخارجية، والقوة الغضبية تجلي الانتقام والغضب الإلهيين.
من كانت فيه بشكل تفريط فلازمها كثير من الملكات الخبيثة كالخوف والجبن والضعف والكسل، والرضا بالفواحش والرذائل وعدم الغيرة، وحالة الاعتدال (أشداء على الكفار رحماء بينهم)، عن الباقر عليه السلام أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي عليه السلام: إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفًا من شرارهم، وستين ألفًا من خيارهم فقال عليه السلام، يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهمنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.
وفي باب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يطلب العون لنفسه في أي مظلمة حتى تُهتك محارم الله فيغضب لله تعالى .
انحراف القوة الغضبية
الغضب نعمة إلهية يجب وضعها في مكانها، وعندما لا توضع في مكانها فإن ذلك كفر بنعمة الحق تعالى (لئن كفرتم إن عذابي لشديد)، وأسوأ منها صرفها خلاف المقصد الإلهي، وتتحول إلى جنود الشيطان.
أشار المؤلف رضوان الله عليه إلى الحرب الدائرة بين الحلفاء والألمان وهو يكتب هذه السطور.
أحاديث شريفة في الغضب
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل”، قلما يسوق الانسان إلى الشقاء والهلاك شيءٌ كنار الغضب الملتهبة بسرعة البرق، ربما يخرج الانسان من الدين بسبب الغضب، ويتجاسر على الله تعالى والأنبياء العظام عليهم السّلامُ.
عن الصادق عليه السلام قال: كان أبي يقول: أي شيءٍ أشد من الغضب، إن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرّم الله ويقذف المحصنة، ويقول عيسى عليه السلام: مَنْ أراد أنْ يحفظ من نار الغضب الإلهي، ولا يبتلي بنار الله الموقدة فعليه أن يحفظ نفسه من نار الغضب الملتهبة.
مختصر لعلاج الغضب
العلاج لابد أن يكون في حال عدم الغضب، لان محالة علاجه في وقته يزيده اشتعالًا، وفي حالته يفاجأ بأمر لينصرف عنه، وعليه أن يتوجه إلى سوء عاقبته ويغيّر حال القلب إلى حالٍ آخر لئلا يزداد ولو إلى الجلوس إن كان قائمًا أو يشتغل بذكر الله.
عن الصادق عليه السلام: أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه: “يا ابن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت بمظلمة فارضَ بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خَيْرٌ من انتصارك لنفسك”، وعن الباقر عليه السلام: “إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدًا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مُست سكنت”.
علاج الغضب في حالة سكون النفس وقطع مادته وعلاج الأسباب المهيجة له
وهي كثيرة وهنا بعضها، أهم أسبابه حب الدنيا، ويرجع إليه حب المال والجاه، حب بسط القدرة والنفوذ، وحب المطعم والملبس والمنكح لذا إرجاع جميع الأسباب إلى حب الدنيا، فالعلاج القطعي يكون بعلاج حب الدنيا وحب النفس، وفي النتيجة سوف يتساهل الانسان بالامور الدنيوية، حتى لو كان انتزاع حب الدنا صعبًا في البداية إلا مع العزم يكون سهلا، وقوة الارادة فوق كل أمر صعب.
لابد أن تعلم أن حب الدنيا والنفس هو شوك طريق الانسان إلى كل مقصد ومقصود، وأم الاصنام صنم النفس، ولقد نودي موسى عليه السلام بخلع محبة الأهل والاولاد عند ملاحقة الحق تعالى (فاخلع نعليك)، ولعل التعبير بالنعلين لأنهما في أسفل الأعضاء وسهلا الخلع، ومبدأ جميع الترتيبات هو تعديل القرى الثلاث: الواهمة الشيطانية – الشهوية البهيمية – الغضبية المفترسة.