الفصل الخامس: بعث الإنسان للمساءلة
لماَّ كان المعاد هو عودة الأشياء بكل وجودها إلى مصدرها الأول والعودة ضرورية، فيجب أن تتم بكل وجود الأشياء بمراتبها ودرجاتها، فلذلك ضرورة أن يلتحق الجسم بالنفس، فيعود البدن للنفس فتعود الحياة والنورانية، وعودة الجسم كما في قوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) سورة يس، آية ٨١، وخلق مثلها لا يعني إعادتها ثانية، فهناك تغييرات ولكن لا تخرج عن إطار وجودهم الأصلي، إذن “مثل الشيء” هو “الشيء نفسه“، والروح مثل الملائكة تعرج إلى الله تعالى.
الفصل السادس: الصراط
الصراط هو طريقٌ يقعُ على جهنم أو في داخلها، وهو ممرٌ لكل الخلق، ينجّي اللهُ الصالحين ويترك الظالمين، والظلم إنّما يحدث باتباع الشيطان وهوى النفس، وعند عبور المؤمنين كما يُروى عن النبي صَلَّى الله عليه وَآلِهِ: أن النار تقول للمؤمن يوم القيامة اعبر بسرعة فنورك يكاد يخمد لهيبي، وعندما يسأل صَلَّى الله عليه وَآلِهِ عن (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) سورة مريم، آية ٧١ يقول عندما يدخل الصالحون الجنَّة، تسأل مجموعة مجموعة أخرى: ألم يعدنا ربُّنا بأن ندخل النَّار جميعًا؟ فتجيب: لقد دخلتم لكن النَّار كانت قد بردتْ.
الفصل السابع : الميزان
ثقل الوزن للحسنات، والخفة للسيئات رغم أن الظاهر في الآيات يبدو العكس، ثقل الأعمال الصالحة يعود إلى بقائها، وخفة السيئات لفنائها (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) سورة الرعد، آية ١٧ ، والإشارة في الآية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) سورة الكهف، آية ١٠٥، لأن الاعمال حبطتْ، وهذه رواية جميلة عن الصادق عليه السلام يسألع الزنديق المشهور: هل توزن الأعمال؟ أجابه الإمام بالنفي، وبرر ذلك أنَّ الأعمال ليست أجسامًا مادية، كما أنَّ الذي يحتاج إلى وزن الأشياء، إنما هو الذي لا يعرف عددها أو وزنها، أمَّا الباري عز وجل فلا تخفى عليه خافية، فسأله الزنديق: إذن ما معنى الميزان؟ أجابه عليه السلام: يعني العدل، فسأله الزنديق مرة أخرى: إذن ما معنى عبارة (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) سورة المؤمنون، آية ١٠٢ الواردة في القرآن؟ أجاب الإمام عغليه السلام: يعني الذي يرجح عمله.
في الكافي رواية عن السجاد عليه السلام أنَّ المشركين لا تفتح لهم صحائف، بل يرمون في جهنم جميعًا، وما تُفتح إلا للمسلمين.
الفصل الثامن: صحيفة الأعمال
جميع أعمال الإنسان السيء منها والصالح تسجّل دون أن يشعر، لأنه لا يشعر بباطن الأمور إلا من خلال الآثار والعلامات، وفي الآخرة فكل البواطن تتكشف قال تعالى (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا)سورة إبراهيم، آية ٢١، والأعمال بذاتها وحقيقتها تتجلى لهم (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ) سورة الأنعام، آية ٢٨، وهو في الكتاب في قوله تعالى(وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ) سورة الزمر، آية ٦٩.
في حديث للإمام الصادق عليه السلام في تفسير العياشي أن الله تعالى يذّكر الانسان بكل رمشة عين وخطوة قدّم أو قول أو فعل، وكأنه قام به في تلك اللحظة فيقول الإنسان (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) سورة الكهف، آية ٤٩، ليست الكتابة على الإنسان مقتصرة على أعماله فحسب لا بل حتى الآثار المترتبة عليها (يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) سورة القيامة، آية ١٣.
الكتاب يؤخذ بإحدى طريقتين، اليمين أو الشمال، وليس المقصود اليدين، بواسطة اليمين تعني النور المضيء (وهو الإمام الحق) وهو السعادة، والشمال الشقاوة كما تشير آيات سورة الواقعة، وكلٌّ منهما يُدعَى بإمامه، والإمام الحق هو ولي المؤمنين والإمام الباطل ولي الكافرين، وبعد هذا الفهم نحل عقدَ كثيرٍ من معاني الأخبار التي تقول أنّ أصحاب الولاية يتولون القضاء بين النّاس يوم القيامة.
الفصل التاسع: الشهداء في يوم البعث
الشهادة على الشيء هي إدراكه عن طريق الحضور والرؤية، والمرحلة الثانية مرحلة أداء الشهادة في يوم القيامة، والشهادة ليست على ظواهر الأمور فحسب بل على البواطن والخفايا، من حيث الطاعة والمعصية، أو السعادة والشقاوة، فالشهادة تأتي على حقائق الأمور وبواطنها.
يوم القيامة يمثل تكريمًا لمقام الشاهد لانهم يطلعون على جذور الأمور ومنشأها، كما يطلعون على النيات والخفايا والدوافع، والقوة التي من خلالها يطلع على بواطن الأمور هي نور غير عادي، وفِي تفسير القمي رواية تفيد أن الحسنات والسيئات تعرض على رسول الله صَلَّى الله عليه وَآلِهِ كل صباح لهذا يحذّر الإمام عليه السلام من ارتكاب المعاصي ويدعوهم للخجل.
مراتب الشهداء فالأولى للأولياء والمقربين كالانبياء والصالحين، عن أمير المؤمنين عليه السلام أن المقصود بـ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) سورة البقرة، آية ١٤٣، هم نحن (أئمة أهل البيت عليهم السلام).
رسول الله صَلَّى الله عليه وَآلِهِ سيكون الشاهد على الشهداء، وهناك شهداء آخرون وهم الملائكة، وأعضاء الإنسان وجوارحه، كما أنَّ شهادة الجوارح خاصة بأهل النار فقط، وتشهد عليهم بعد أن يختم الله على أفواههم لانهم ينكرون معاصيهم.
من الشهداء الزمان والمكان، وهي الأيام المقدسة والأشهر الشريفة والأعياد وأيام الجمع، والمناطق المقدسة والمساجد وغيرها، في حديث عن الصادق عليه السلام إذا يحلُّ النّهَار فإنه يقول للإنسان: يابن آدم اعمل خيرًا لأشهد لك أمام الله يوم القيامة، فأنا لم آتك من قبل، ولن آتيك بعد اليوم.
ويمكن إثبات شهادة الشهود بالبرهان: كل علاقة بين الأشياء والأعمال سيتولد مثلها بين الشيء وذات الفاعل، لأن وجود الأعمال قائم بذواتها، إذن فبقاء الذات سيبقى ما يصدر عنها، وببقاء ما يصدر عنها ستدوم العلاقة المتولدة بينها وبين الأشياء، وببقاء هذه العلاقة ستبقى الأشياء أيضًا لأن العلاقة وجود رابط، لا يتحقق إلا بوجود طرفين.