الفصل الثالث: النفخ في الصور
توجد نفختان، النفخة الأولى للإماتة، والنفخة الثانية للإحياء، والصور في معناه اللغوي هو البوق الذي ينفخ فيه فيصدر صوتًا عاليًا، وهو الذي يستخدم في إعطاء الأوامر للجند استعدادًا للحرب، والنفخة الأولى عبّر عنها القرآن بالصيحة والصاخة والنقر أيضًا، واستعمل القرآن كلمة الصيحة في ١٨ موضعًا، مع ذلك لم يقدّم لنا القرآن تفسيرًا كاملًا لها، فلذلك لابد من أخذها بحسب معناها الحقيقي.
المقصود بالنفخة والصيحة كلمة إلهية تميتُ النَّاس ثم تحييهم، إذن النفختان هما كلمتان إلهيتان، الأولى تميت والثانية تحيي.
أطلق القرآن على الإماتة “صعق“، لأنَّ الموت يطلق على خروج الروح، أما النَّفخ فيشمل كل الموجودات في السماء والأرض ومنهم الملائكة والأرواح، الآيات الدالة على وقوع الصيحة تدل على انقلاب الأرض ودمارها على أهلها.
وهناك استثناء من النفخة في قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّه) سورة النمل، آية ٨٧، يقصد به الشخص الذي حسناتُهُ خالصة وخالية من كل سيئة، قال تعالى (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) سورة النمل، آية ٨٩، وهم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة النحل، آية ٣٢.
اعتبر الله سبحانه الخبائث من السيئات كما اعتبر الكفر والنفاق في خانة النجاسة والرجس، بل بعض درجات الإيمان من الشرك قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) سورة يوسف، آية ١٠٦، والمقصود بالحسنة هي الولاية بدليل قوله تعالى (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) سورة الشورى، آية ٢٣، يرى عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إن الحسنة هي معرفة الولاية وحبنا نحن أهل البيت“.
الذين يتم استثناؤهم من النفخ ليسوا في السماء بل هم فيما وراء السموات والأرض، فهم معنيون في قوله تعالى (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) سورة القصص، آية ٨٨ أي إنهم من الوجه، وهم سيحيطون بالعالم بدليل قوله تعالى (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) سورة البقرة، آية ١١٥ فإن العباد المخلصين “أولياء” الله سيرون كل شيء من خلال إحاطة “وجه الله” به.
هل تبقى الجبال أم تزول؟
هذه الآية قال تعالى (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) سورة النبأ، آية ٢٠، يتضح منها أن حركة الجبال وتبعثرها كالحجر والحصى ثم تناثرها كالقطن لا يعني أن تصبح سرابًا أبدًا بدليل قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) سورة النمل، آية ٨٨، فالرؤية تقع وقت النفخ لا وقت الخطاب، والجبال تبقى على ماهي عليه من استقامة ويدل على ذلك (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) التي تشير أنّ الجبال لا تتصدع بهذه السهولة، إذن حركة الجبال لا تتنافى وثباتها، وتزلزلها يزيد من استحكامها، إذن سرابية حركة الجبال يمكن أن ينسجم مع بقائها واتقان صنعها.