السعادة والحب والفرح والشعور بالاطمئنان والأمن والتحرر يتطلب منّا وعيًّا ومعرفةً واقعيّةً للتخلص من المشاعر السلبية غير المرغوب فيها وبصيرة تعيننا على تخفيف معاناتنا، لإنَّ قمع المشاعر والتهرب منها وكبتها يخرجها على هيئة آلام وأمراض نفسية واضطرابات جسدية، وهذه الحقيقة واضحة وثابتة عند علماء النفس فإن مكنيزما وآليات الدفاع مضللة جدًا ومعيقة للارتقاء والشعور بالسلام الداخل، لذلك فإنَّنا بحاجة لتقنية تسهم في التشافي الذاتي، فتحررنا من المشاعر السلبية تنعكس علينا بالسلامة والصحة النفسية على الجسد فيسلم وعلى السلوك فينخفض القلق، ولا نحتاج للهروب للنوم الزائد أو الطعام الزائد، بل ويحدث نشاط أكثر وكفاءة أعلى، كما ويسهم التطور النفسي في تحسين العلاقات وتقليل النزاعات واكتشاف قدرات ابداعية ونفسية لم تكن معروفة من قبل، والأهم من ذلك انبعاث نور الفطرة وإدراك الهوية الحقيقية التي تمنحنا السعادة الخالدة والشعور بالرضا، وهذه التقنية التي تعتمد على المراقبة يعبر عنها علماء النفس بتقنية “التعرض ومنع الاستجابة” وقد أسماها الدكتور هوكننز في أكثر مصنفاته بتقنية “السماح بالرحيل“.
التعرض ومنع الاستجابة
وهي آلية بسيطة وفعَّالة للتخلص من السلبيات وهي تقنية تبتني على التسليم والسماح لمثيرات القلق بالبقاء وعدم التجاوب معها عمليًا .
والملاحظ التي نود الإشارة إليها أنَّ هذه التقنية لن تكون مجدية، ولن يشعر الإنسان بالسلام ينبع من داخله إذا لم يستند للمصدر الفياض، فمالم يرجع الإنسان لفطرته الأصيلة وتوقه المتوقد للامتناهي، وتعلقه الوجداني الغني عن البرهان، والمشهود في عمق ذاته بالارتباط والافتقار للمطلق الغني بالذات فلن يتذوق طعم الراحة والفرح الروحي والسعادة الخالدة، لأنَّ السعادة والحب والنجاح والعافية توجد في دواخلنا، وهي تتطلب منّا الإيمان الفطري المودع في قلب كل إنسان (فطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم:30، هذه الفطرة التي لا تتخلف فلا يشذ عنها كائن بشري ولا تختلف باختلاف الأفراد لأنها مختمرة في أصل طينتنا يشترك فيها العالم والجاهل ، المتدين وغير المتدين، الذكر والأنثى .
وأما الحزن المَرَضي والغضب الجامح المترسخ واليأس والقلق، فهي أمورٌ ينتجها الإحتجاب عن نور الفطرة وذلك الشوق الأكيد، والإحتجابُ بالشعور الراسخ بالنقص الذي ننفر منه بالطبع أيضًا، ورفع ذلك الحجاب يتطلب التسليم.
كما تجدر الإشارة إلى ملاحظة أخرى وهي أنَّ التسليم الذي يعد الركن الأساسي في تقنية التعرض ومنع الاستجابة ليس إضافة، إنَّهُ نوعٌ من التخلي والطرح والتخلص وليس له ارتباط بالمشقة، بل أن تبصر وتراقب بوعي جروح الطفولة من الغضب أو القلق أو اليأس الذي تحمله، والذي يتمحور في شخصيتك كآلية دفاع، ويتحول من صورة للأخرى فمن شكل الغضب للجد والتزمت، ومن التوق للحب للتزلف والإحباط وتسمح لتلك الطاقة الكامنة خلفها بالرحيل، فالآلية التسليم والتعرض تمر بـ:
- الاعتراف بوجود مشاعر سلبية حملناها معنا وتطورت منذ الطفولة.
- الشجاعة لرؤية تلك السلبيات وهي تعمل وتحولنا لآلات تلقائية الاشتغال.
- التحرر منها فهي تتسلح بالعمل في الخفاء وبعيدا عن الوعي.
حينما تبدأ في استخدام هذه التقنية ستدرك أن البصيرة يمكن لها أنْ تبرمج عقلك الباطن، وأنَّ بذل المجهود في المراقبة الواعية يحدث فرقًا ملحوظًا يشهده المقربون منك، وأنك بدأت تتخلص من الأوزار والأثقال التي تنقض ظهرك.