قال تعالى: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ﴾ سورة الأعراف، آية ١٥٥، الانبساط هو عدم تكلف الأدب والتصرف على السجية والتعامل مع الغير بكل أريحية وحسب طبيعة الإنسان.
الانبساط في الخلق يعني أن يتجنب الإنسان التحرز من الناس بما يقعده عن أداء مهماته ومسئولياته كالذي يترك كثرة التبسم في وجوه ضيوفه وإن كانت طبيعته جادة، والانبساط في الخُلُق عكس الانقباض، فالانقباض هو الوجوم والتحفظ وعدم الانطلاق.
والانبساط على درجات ومنازل:
١- الانبساط مع الناس:
وينبغي معرفة أن المؤمن هش بش بطبيعته يَأْلَف ويُؤْلَف ويُحِب ويُحَب. وهذا الخُلُق يدخل الارتياح في قلوب الناس للمؤمن الذي يتعاملون معه بخلاف لو كان متجهمًا متحفظًا بائسًا لا يظهر البُشر في قسمات وجهه وطيات لسانه.
● ومن منازل الانبساط ألا يتجنب الإنسان إخوانه من المؤمنين بذريعة الانشغال ولا بنية الترفع عنهم فإنه من الغرور.
● من حسن الخُلُق أن تبادر إخوانك بالسلام والتحية بالشكل اللائق الذي يفهم منه انبساطك معهم وسهولة معاشرتك ودماثة الطبع فيك.
● من الانبساط في الخُلُق ألا ترى لنفسك قدرًا أرفع من قدر إخوانك ما يدعوك إلى عدم التفاعل معهم بالشكل الذي يستريحون فيه معك.
● من الانبساط في الخُلُق إيثار المؤمنين من إخوانك الذين تعلم ضعف حالهم عن حالك والتودد لهم وعدم إراقة ماء وجوههم بالمسألة منك، لقضاء حوائجهم بكل حب وإشراق وجه.
● من الانبساط في الخُلُق أن يكثر المرء من تحسس أوجاع إخوانه والتخفيف عنهم بما يتلاءم مع عدم الدخول في خصوصياتهم رعاية منه للآداب.
● من الانبساط في الخُلُق أن يعمد الإنسان إلى التوسيع على عياله وأهله وإخوانه في الإيمان ليسعهم رزق الله تعالى من جانبه بكل اهتمام ورقة وبشاشة.
● من الانبساط في الخُلُق أن يوسع الإنسان صدره لإخوانه وأهل بيته ورعيته ليسعهم حلمه وأن يتحملهم إذا أخطأوا في حقه بجهل أو عن قصد وأن يراعي حرمتهم بالتودد لهم إن اعتذروا له من صدور إساءة منهم في حقه.
● ويتوجب مراعاة الضوابط الشرعية في كل ذلك بعدم اقتحام الحرمات التي لا يرضاها الشرع، ولا يقبلها الطبع السليم والعقل الناضج ككثرة الهزل والكذب وإن مزاحًا.
٢- الانبساط مع الحق جل جلاله:
فالانبساط مع الله تعالى هو غاية كل مريد، وهي درجة تبعث صاحبها على الاطمئنان لله تعالى جل ذكره وهذا الاطمئنان يخرج صاحبه عن الإعراض عن التوسل لله بالله دونما الحاجة إلى واسطة فيما بين العبد وربه.
● والانبساط مع الله تعالى يخرجه من داءة الخوف والرجاء اللذين يعيشهما عامة الناس. فيعمل العبد على التودد له تعالى حتى مع عصيانه له في حالات معينة إحساسًا منه بالقرب الرباني، وأنه لا يوجد ما يصده عن الله تعالى وإن كانت ذنوبه كزبد البحر فهو منبسط معه، منشرح القلب معه، يناجيه حيثما شاء ويطلبه وقتما أراد، فيجده قريبًا مجيبًا حنوًا عطوفًا.
● فلا الخوف ولا الرجاء يمنعان العبد من أن يتصرف بسجيته وطبيعته مع خالقه، فيشعر بوجوده دائمًا معه حيثما كان، ويستشعر حضوره في كل أوقاته، وهذا ما يجعل منه قريبًا من الله تعالى، فلا يصدر عنه ما يشوب حضور قلبه.
● الانبساط مع الله تعالى درجة العارفين الذين سلكوا السبيل إليه فرأوا كل ما يصدر عنه في حقهم جميل وإن كان مرًا وصعبًا، وكل ما يقضيه عليهم لطيف وإن كان مؤلمًا.
● من الانبساط مع الخالق عز ذكره تذوق كرامته وإن خفيت واسترشاد أمره وإن لطف. فكثير من الكرامات الربانية لا يدركها عامة الناس من المؤمنين لدقتها، ولكن من شرح الله صدره وحاز القرب الروحي من الله تعالى وعاش في طمأنينته يدرك تلك الكرامات ولا تخفى عليه. ومن كانت هذه حاله تراه لا يجهل اتباع الحق وتجنب الباطل وإن عسر فهمهما على الكثير من الناس، وذلك لأن روحه منساقة لجماله وجلاله.
● من الانبساط مع الله تعالى هو عدم حاجته لمن يشفع له عنده حتى يستأنس بحضوره، فهو حاضر عنده على الدوام لأنه في منزلة يكون الخلق محتاجين له ليكون شفيعًا لهم عند الله. وهذه منزلة الأولياء والصديقين، ولنيلها يحتاج الإنسان إلى كثير من الاجتهاد والسعي وترويض النفس والاستدامة على إتيان الصالحات من الأعمال والإعراض عن السيئات والإكثار من الاستغفار والتوبة… والله المستعان.