خواطر التنسك و الأنا العليا
عند البعض تنطلق الأفكارُ اللاطوعية وحديث النفس من قناعة أنَّ العالم مكان غير كامل، وأن عليه هو أن يعمل من أجل تحسين كل شيء ، وفي حالة غياب الوعي والقفز بين الإيمان بالتفوق الأخلاقي على الغير ، وبين المقارنة “هل أنا أفضل أم أسوأ من الآخرين” يتدفق القلق في دواخلهم .
ولسوء الحظ فإن التنسك عن جهل يترعرع في تلك الأنا الباحثة عن لون من ألوان الكمال تستر به عيوبها، وكخطوة من خطوات الأنا العليا التي تظن أنها صوت الله فينا تبدأ النفس بوضع معايير عالية جدا ، وجامدة وصارمة ويستحيل تحققها ، هذه المعايير تنقلب على شكل اعتلال في النفس قد يكون تعصب ، أو جلدا للذات، وربما يمتد للتدقيق على المقربين حينما لايرقى مستوى أدائهم للمعايير التي بنتها تلك الأنا الكمالية، كم من أم تضرب ابنتها لأن معدلها الدراسي ينقص درجة عن مستوى الكمال، وكم يعطل الأبوان زواج ابنتهم لأن الخاطب لم يصل للدرجة للمرموقة وظيفيًا والمرتب المرتفع ، مع هذا النوع من التنسك يمكنك بسهولة رصد الغضب المقموع في ذواتهم ونفاد صبرهم وسهولة انزعاجهم ، أنت تعرف أنهم يركزون تلقائيا على الخطأ في كل شيء، ويتتبعون أدق التفاصيل، وكثيرًا ما يشعرون بخيبة الأمل لأن توقعاتهم لا تتحقق، فهم جادون حتى الهوس، يبررون لأنفسهم سحق مشاعر الآخرين تحت ذريعة إصلاح الواقع الفاسد ، وكثيرا ما تخاطبهم الأنا العليا المتطرفة بأن:”خطأ واحد مهما كان صغير يدمر كل شيء“، وغالبا ما تكون تلك النفوس مسكونة بخيال أن شخصًا ما يتفحصها أو يدقق وينتقد كل ما تفعله.
إذا كنت تراقب نفسك جيدًا وشعرت بمثل هذه الخواطر والمشاعر تتلبسك وتستحوذ عليك، قمْ بزيادة وعيك الذاتي وضع يدك على مكمن الخطر ، فالأنا العليا التي تغذي كل هذا ليست هي صوت الله، وليست هي الضمير ، إنها تعمل كقاضٍ غير عادل يبتزك ويبتز الآخرين طراوة الحياة وحلاوتها، هو من يصطنع لك أفكارك حول المثالية وهو من يدربك بشكل يومي على التوتر ويسلبك احترامك الذاتي، لذلك لابد من اخضاع هذا الصوت دائما لسلطة الوعي الذي يأخذ بيدك لقبول الآخرين وقبول النفس كما هي، التسليم بقدراتك الفعلية والعمل على تطويرها دون إدانة أو هوس.
تحدث مع نفسك بشكل آخر
أخبرها أنه يمكن ان يصدر منها أو من المقربين خطأ في حال الغفلة، ولكن هذا الخطأ لا يتكرر ، دربْها على التسامح و التسليم والاستمتاع بالحياة، وأن التجارب يمكنها أن تكشف لنا الكثير ، وثقْ أنك لن تذوق طعم التعاطف مالم تتدرب على تهدئة الاستياء ؛ لذلك علاجْ أناك بالتسليم في مقابل رفض الآخر حينما يكون حبُّك للغير لا مشروط فسوف تشعر بالرضا وتحافظ على الحيوية .
تمرين : اسمح للآخرين أن يكونوا على طبيعتهم
كن أنت الشاهد على نفسك حينما يصدر خطأٌ غير مقصود من الآخرين، خُذ نفسًا عميقًا ، صل على النبي وآله، تقبل نقاط القوة والضعف فيهم، ولا تسعى لتصحيح الخطأ بل تريث مدة يوم كامل قبل ان تعطي أي تعليق .