السحر وأثره في حياة الإنسان
عندما نتناول السحر وأثره في عالمنا المعاصر يتعيّن علينا الالتفات للأسئلة التالية:
س١: ما هو السحر؟
س٢: هل له أثر ووجود في الواقع الخارجي؟ فإن كان فما مدى تأثيره؟
س٣: هل علينا أن نقلق من السحر ونحن في هذا العصر الذي كشفت فيه العلوم الكثير من أسرار الكون ومنها السحر، وهل نملك وقاية من الوقوع تحت تأثير الاعتقاد به؟
ما هو السحر؟
الحديث عن السحر وتاريخه طويل، ونكتفي هنا بالقول إن جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، ولكن بداياته وتطوراته التاريخية يلفّها الغموض ولا يمكن تشخيص أول من استعمل السحر ( مكارم الشيرازي، الأمثل، ج ص )، ولنا أنْ نتساءل ما الذي ألجأ الإنسان وفي أعماق التاريخ لطلب السحر وممارسته؟ ولعل أوضح إجابة تنقسم إلى قسمين الأول حب وإرادة السيطرة والثاني لدفع المخاوف والأخطار، ومع زيادة وعي الإنسان من الناحيتين الدينية والعلمية نرى تراجعًا للقسمين معًا على طول التاريخ البشري، فما عاد الذين يريدون السيطرة يلجؤون للسحر وذلك لأنهم اكتشفوا وسائل أقوي لخداع الناس والسيطرة عليهم، بل في فترة من عصور أوروبا كان السحرة محل الاستضعاف والقتل حرقًا، ولنقلْ أنّ بعد هذا العصر لم يعد مكان للخوف من السحر والشعوذة، تبقتْ بعض الممارسات المتصلة بالطقوس الدينية لدى بعض الطوائف، والتي تعود لدفع المخاوف والأخطار، ولكن نفس أصحابها يدركون أنّها مجرد طقوس كشف العلم الحديث عن عبثيتها وبطلانها.
وبشأن معنى السحر يمكن القول: إنَّهُ نوعٌ من الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود الإنسان، وهو أحيانًا نوعٌ من المهارة والخفة في الحركة وإيهام للأنظار، كما إنَّهُ أحيانًا ذو طابعٍ نفسيٍ خيالي، والسحر في اللغة له معنيان:
١ – الخداع والشّعوذة والحركة الماهرة.
٢ – كل ما لطف ودقّ (مكارم الشيرازي، الأمثل، ج ص).
وإذا دققنا في التعريف السابق وربطناهُ بمشاكلنا المعاصرة المنتشرة في المجتمع فإنّ الجزء المتصل بكونه نوع من الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود الإنسان، وهو الذي تنبني عليه جلُّ المخاوف عندما يعتقد الشخص أنَّهُ مسحورٌ أو قد عُملَ له عملٌ سحري ما، فهو يخاف من تأثير هذا العمل على وجوده وحياته، رغم أنه في حقيقته (ذو طابع نفسي خيالي)، وبعكس المهارة والخفة في الحركة وإيهام للأنظار الذي يثير الدهشة والبهجة في نفس الإنسان والذي يعلم بطبيعة الحال أنه ضَرْبٌ من الخداع.
وعن السحر الذي هو الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود الإنسان يقول العلامة الشيخ عبدالله جوادي الآملي: والسحر علم قابل للانتقال إلى الآخرين، ولا يعد بطلانه وحرمته دليلين على عدم كونه علمًا، وإذا اقتنعنا بكون السحر علمًا يتناقله النَّاس من جيلٍ إلى جيل، ومن عالم إلى متعلم؛ استلزم ذلك السؤال عن مصدر هذا العلم وأسسه، أغلب المصادر تقودُنَا إلى زمن ما بعد وفاة نبي الله سليمان عليه السلام عندما تحررتْ الشياطين من قيودها، وأخذتْ تكتب كتابًا فيه تعاليم السحر، وقامتْ بتعليمها النّاس بعد وفاة النبي سليمان عليه السلام وبثها مع ما أُنزل على الملكيْن ببابل هاروت وماروت، اللذين كانا يعلمان النّاس ومن ضمن تعاليمهما كيف يبطلون سحر الشياطين.
هل للسحر أثر ووجود في الواقع الخارجي؟ وإن كان فما مدى تأثيره؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نثبت أن هذا العلم الذي بثته الشياطين وأصوله قد انتقل عبر الأجيال، ولأن العلم يتطور دائمًا، إذن نحن نبحث عن علم انتقل عبر أجيال وقد تطور ليكون أقوى مما سبق، ولكن أين كل ذلك؟
إنّ ما ينتشر في الأماكن المظلمة من المجتمعات والذي يخافه فئة من الناس من مثل عمل حجاب ودفن عظام وحرق خصلة من الشعر ومحاولة التفريق بين المرء وزوجه وغيرها، لا يمكن أنْ يمثّل إلا الطور البدائي جدًا من السحر إنْ صح كونُهُ سحرًا، وهذا لا يمكن اعتباره حصيلة علمية متوارثة عبر أجيال.
إذن أين ذهب سحر الشياطين الذي تكلمتْ عنه الآية المباركة؟ نقول أنّ الآية تكلمتْ عن فترة زمنية نشط فيها عمل الشياطين والتي شهدتْ أيضًا بالتصدي لهم وبيان أنّ ما يفعلونه هو ما يضرُّهم ولا ينفعُهُم، ولأن ما ينفع هو فقط ما تبقيه التراكمات العلمية التي تخدم عملية تسهيل حياة الإنسان ورفاهيته، نعتقد أن هذا الإرث الشيطاني ضاع كلُّهُ أو معظمُهُ على الأقل ولم يشهد أي نوع من التطوير، وللتأكيد ننبه هنا أنّ كلامنا عن السحر الذي هو أعمال خارقة تؤثر في الوجود إذا أذن الله سبحانه، إنْ صحَّ وجوده من أساس.
وأمّا عن تأثير السحر الذي تجد أنه يتداول كمسلمّات في بعض المجتمعات، من مثل الحجاب وعمل العمل وغيرها لا يعدو كونه نوعًا من الوسواس أو القلق والكآبة والانفصام وغيرها من الأمراض النفسية التي ثبت وجودها، وأنّ لها أثرًا يشابه الأثر المترتب على الاعتقاد بالمس والسحر والتي يمكن علاجها طبيًا أو نفسيًا.
هل علينا أن نقلق من السحر ونحن في هذا العصر الذي كشفت فيه العلوم الكثير من أسرار الكون ومنها السحر، وهل نملك وقاية من الوقوع تحت تأثير الاعتقاد به؟
معظم ما يعتقد أنه نواتج السحر والشعوذة هي آثار مرصودة لأمراض نفسية أو عضوية، فقط على المرء أن يشخّص الأعراض عن طريق مختص ليفهم المرض الذي تسبب له بهذه الحالة، غير أن كثيرًا من هذه العوارض نابعة من اضطراب نفسي أو خلل روحي تكفّل الدين الإسلامي بتخليص متبعّيه وتحريرهم منها، وذلك بربطهم بالله مصدر القوة المطلقة والمتحكم في الأمور كلها.
يعلم الجميع أنه عندما يعتقد إنسان أن قوى غريبة تسيطر على حياته وتتحكم في خياراته ويعيش على هذا عمرًا يعلم الجميع أن تخليصه من هذه الأوهام صعب للغاية، لكن ما جاءنا عن نبينا الكريم وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين من آيات وأحراز وأدعية مضاف إلى تعاليمهم يشكل برنامجًا واقيًا ومخلصًا للمؤمن المتبع من هذه الأوهام والوساوس، حيث يُربطُ المؤمن بقوة وحيدة مطلقة ومتحكمة ونافذ أمرها في ما كان وما هو كائن وما يكون، ويهيئ نفسيته للتسليم لها والرضا بما تقضي وتقدر، ثمّ يقول له واجهْ كل تحديات الحياة فأنت مهيئٌ، فلديك هدف تحققه وأنت مرتبط بالله ومتوكل عليه وهو يكفيك.
إنّ الارتباط بالقران والأدعية المباركة والأحراز اليومية يجعل نفس المؤمن مطمئنة ويعالج كل مخاوفه اليومية ومصادر قلقه ويتناولها مفردة مفردة، يعلمه التعامل معها ومواجهتها والتغلب عليها، ليستقر في نفسه بعدها أنّ مصيره بيد الله سبحانه، وأنّ كل ما يأتيه من عند ربه لمصلحته، في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: (عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرًا له، وإن قرض بالمقاريض كان خيرًا له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرًا له) الريشهري، ميزان الحكمة، ج3 ص 2578. بهذا التسليم والثقة بالله لا يعود هناك أثر للسحر ولا للشعوذة ولا لغيرها على نفس المؤمن.