العلاج بالتغذية
التغذية هي العناصر الغذائية الداخلة إلى الجسم من خلال الأطعمة، وتفاعل هذه العناصر بداخل الجسم والدخول في عمليات عديدة من بداية الأكل إلى هضمه وتوزيعه وامتصاصه والاستفادة منه وإخراج الفضلات، إذًا نستطعُ القولَ أنّ التغذية تتحكمُ بكل عمليات الجسم وتفاعلاته وصحة أعضائه، ومن هنا كان لِزامًا أنْ نتخيّر ما ندخله في أجسامِنا من طعام.
فالجسم أولًا أمانة رزقنا الله إياها، ومن واجبنا صون هذه الأمانة، وثانيًا نوعية الغذاء الجيد تعني صحة الجسم وصحة الجسم تعني الصحة النفسية (منى خليل، التغذية العلاجية، الطبعة الثانية، القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2004، ص 15).، كما يُرى عن النبي صلى الله عليه وآله: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء (ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي، ص30)، فنظامك الغذائي الصحيح قادر على تحسين الكثير من الاضطرابات والمشاكل، ويعينك في علاج الكثير من الحالات غير الطبيعية بجانب أدويتك، وقد نستطيع توضيح الفكرة أكثر بتلخيصها: إنّ الجسم حين يتلقى المغذيات الصحيحة المتكاملة فإنه يكون في حالته الطبيعية التي لا ترهق أعضاءه كما في حالة تناول كميات كبيرة من الغذاء العالي بالدهون والسكريات والصبغات والنكهات الاصطناعية، التي من شأنها أن ترهق المعدة والأمعاء في الهضم، وبالتالي تتسبب في مشاكل عسر الهضم والتقرح والالتهابات، و في نهاية هذا العناء في عملية الهضم فإن الفائدة الغذائية ضئيلة نظرًا لرداءة الغذاء وافتقاره للعناصر المهمة، وهذا ما يجعل الجسم في ضغط مستمر، وأعضاؤه لا تتلقى العناصر المطلوبة، فتكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض وأقل قدرة على المقاومة، وهذا ما يفسر مساعدة النظام الغذائي في تسريع علاج الأمراض بجانب العلاج الإكلينيكي.
أولاً: عملية الهضم
من أولى خطوات الاهتمام بجانب التغذية والتخطيط لتغذية جيدة وصحية للجسم أنْ نفهمَ طبيعة عمل الجسم في تلقي الأطعمة، كما يجبُ الأخذ بعين الاعتبار أنَّ كلَّ طعامٍ مهما بلغَتْ رداءةُ جودته سوف يتوزع ويصل إلى كلِّ عضو من أعضائنا، وهذه أولى الأفكار التي تأخذ بيدنا نحو غذاء متكامل ذي جودة عالية.
تبدأ عملية الهضم في الفم حيث يتم مضغ وتقطيع الطعام وإفراز اللعاب الذي يحتوي على مواد تساعد في عملية تكسير جزيئات الطعام، ثم ينتقل الطعام إلى البلعوم ومنه إلى المريء الذي يوصل الطعام إلى المعدة، وفي المعدة يتم إفراز حمض وإنزيمات لتفتيت الطعام جيدًا قبل نقله إلى الأمعاء الدقيقة حيث يستفاد مما تفرزه الكبد والبنكرياس من خلال قناة تربطها بالأمعاء لعجن الطعام للاستفادة منه، ثمَّ يتم امتصاص العناصر والمغذيات في مجرى الدم، بعد ذلك يتمُّ نقل بقية فضلات الطعام إلى الأمعاء الغليظة ومنها إلى خارج الجسم، لقد منّ الله علينا بهذا الإعجاز والنظام الدقيق المتكامل، فإن وفرنا له ما يلزم كان هذا النظام يعمل كما ينبغي.
ثانيًا: هرم الغذاء ( كارلا حبيب، أسرار التغذية مع كارلا، بيروت: أكاديميا إنترناشيونال، ٢٠٠٢، ص١٩):
الهرم الغذائي هو ما يلّخص احتياجات الإنسان الأساسية لغذاء متوازن يومي في مجموعات، ويشمل مجموعة الحبوب أو النشويات، مجموعة الخضار، مجموعة الفاكهة، مجموعة الحليب، مجموعة اللحوم وبدائلها (البقول والبيض)، مجموعة الدهنيات والزيوت والسكريات، مع ملاحظة أنّ قاعدة الهرم تمثل الحصة الأعلى في الغذاء وقمة الهرم الحصة الأقل:
● مثال الحصة الواحدة في مجموعة النشويات: ربع رغيف خبز أبيض/ نصف رغيف خبز نخالة/ نصف كوب أرز أو معكرونة أو برغل/ قطعة توست/ حبة بطاطا متوسطة الحجم.
● مثال الحصة الواحدة من مجموعة الخضار: كوب من الخضر الطازجة مثل الخس، النعناع، الملفوف، القرنبيط، البقدونس، الطماطم وغيرها/ نصف كوب من الخضار المطبوخة مثل السبانخ والباميا والكوسا والباذنجان وغيرها.
● مثال الحصة الواحدة من مجموعة الفاكهة: حبة تفاح/ ٢٠٠ جرام بطيخ/ موزة صغيرة/ ٢– ٣ حبات مشمش/ برتقالة/ ١٥ حبة كرز أو عنب/ نصف حبة مانجو/ حبتان كيوي.
● مثال الحصة الواحدة من مجموعة اللحوم: ١٠٠ جرام من اللحم أو الدجاج أو السمك/ بيضة واحدة/ نصف كوب مطبوخ من العدس أو الحمص أو الفاصوليا أو الفول.
● مثال الحصة الواحدة من مجموعة الحليب: كوب من الحليب أو اللبن.
● مثال الحصة الواحدة من مجموعة الزيوت: ملعقة صغيرة من الزيت النباتي/ ملعقة صغيرة من الزبدة أو السمنة.
إنَّ التغذية الصحية تكمن في اعتدال كمية الطعام المستهلكة وتنويع أصنافه والموازنة بين المغذّيات، وعن أبي الحسن (ع) قال: لو أنَّ الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم (محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، بيروت: مؤسسة الأعلمي، ج 63 ص 333)، ومن الضروري اشتمال النظام الغذائي اليومي لكل عناصر الهرم (ما لم تثبت حساسية الفرد من أحدها)، وأول خطوة يمكن اتخاذها هي مقارنة ما تستهلكه من الطعام بحصص الهرم الغذائي وضمان تكامل غذائك من خلال الرجوع إلى الجدول الآتي:
ملاحظة: يفضّل أن تكون مصادر الحليب ومشتقاته من مزارع بلدية محلية مضمونة لتجنب الحليب التجاري الناتج من أبقار محقونة بالهرمونات.
ثالثًا: التخطيط لغذاء جيد
مصطلح التغذية العلاجية لا يعني بالدقة أنَّ أمراضك يعالجها الغذاء وحده دون الحاجة إلى تشخيص طبي ودواء، لكن عندما يكون غذاؤك نظيفًا فإنَّ جسمَكَ لنْ يبذل مجهودًا مضاعفًا في هضمه، وهذا ما سيوفر هذا المجهود لمقاومة أمراضك ومساعدة جسمك على الاستشفاء وإعادة طبيعته، أمَّا إذا أرهقته بالغذاء السيء فكل ما سيصل إلى أعضائك لا يساعدها ولا يقويها على اجتياز المرض وأحيانًا حتى الدواء لا يعطي المفعول المنشود، فاجعل غذاءك مصدرًا معينًا لجسمك لا مرهقًا له.
قبل أنّ تخطط لغذائِكَ تذكر أهمية شرب كميات كافية من الماء كل يوم، ثم احرص على تقييم جودة غذائك بمصداقية، وحاول رصد كل ما يتخلل أكلك من عادات سيئة وغير صحية، حتى تعمد إلى تغييرها، وننوه إلى أن تغيير النمط الغذائي يكون تدريجيًا حتى تتمكن من القيام بذلك ولا تستصعب الأمر وتتركه.
خطوات التخطيط
● قم بعمل فحص دم يبيّن نسب الفيتامينات والمعادن حتى تتمكن من رفع النص أو تقليل الزائد من خلال الأغذية المناسبة أو المكملات الغذائية.
● تسوّق تسوقًا واعيًا من خلال قراءة مكونات المنتج والابتعاد عن المنتجات المحتوية على أصباغ ونكهات صناعية ومواد حافظة ونسبة دهون عالية.
● دوّن الأغذية الضارة وغير المفيدة التي اعتدت على تناولها.
● ابدأ بتقليلها ثم استبعادها تدريجيًا.
● خطط لوجباتك أسبوعيًا من خلال جدول يتضمن الوجبات الرئيسية الثلاث لكل يوم من أيام الأسبوع، ثم اعمل على تجهيزها في الأوقات المناسبة لك، فهذه الخطوة تمنع الأكل العشوائي والأكل غير المخطط له.
● احرص على أكل الطعام المفيد بين الوجبات بكمية معقولة، كالمكسرات أو الفاكهة أو الشوكولاتة الداكنة أو الزبيب، فأغلب ما يشيع أكله بين الوجبات هو من الأطعمة العالية بالسكر والدهون وبكميات غير محسوبة مما يسبب زيادة السكر والدهن وبالتالي زيادة الوزن أو التأثير على أعضاء الجسم.
● ارجع إلى الهرم الغذائي في تخطيط وجباتك اليومية، واحرص على تضمين برنامج الغذائي لكل العناصر.
● تناول وجبات متكاملة محتوية على النشويات والبروتين والدهون الصحية والفيتامينات.
● تجنب الطعام المعلب الجاهز.
● قلّل المشروبات غير المفيدة وتجنّب المشروبات الضارة كالمشروبات الغازية والعصائر المصنعة، استبدل القهوة والشاي بالعصائر الطبيعية أو قلل من استهلاكها.
● كن ذكيًا في اختيار الأطعمة من خلال تناول بدائل صحية للأطعمة الضارة.
● دوّن عادات الأكل الصحية التي بدأت بتطبيقها.
● قارن وضعك البدني / النفسي/ الصحي بعد اتباعك نظام غذائي صحي متوازن مع وضعك السابق.
● في حال وجود حالة صحية معينة يجب الالتزام بالتعليمات الطبية والالتزام بتجنب الممنوعات.
● استمر في نظامك الجديد وحافظ عليه وتذكر أنك تفيد ذاتك وصحتك العامة بهذا النظام، ولا تجعل منه نظامًا صحيًا مؤقتًا.
البدائل الصحية
إن اتّباع نظام غذائي صارم والحرمان من أغذية كثيرة محببة سيؤدي بك في نهاية المطاف إلى التعب والملل والعودة إلى أسوأ مما كنت عليه من عادات غذائية سيئة، لهذا عليك أنْ تجد البدائل الصحية للأطعمة، وهذا ما يتطلب منك البحث الدائم ومتابعة حسابات التغذية، وهذا ما سيجعلك تستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وفيما يأتي مجموعة بدائل صحية يمكن استبدال الأطعمة الضارة بها:
● العصائر المصنعة والمعلبة X العصائر الطبيعية.
● السكاكر والحلويات X الفاكهة، التمر، الزبيب، قطعة من الشوكولا الداكنة.
● رقائق البطاطس المعبأة X المكسرات، البطاطس المخبوزة (غير المقلية)، رقائق الخضار المحمرة في الفرن ، الفشار المحضر منزليًا.
● السكرX العسل، شراب القيقب ، قطرات نبتة الستيفيا (العضوية غير المخلوطة مع مواد أخرى)، سكر جوز الهند .
● الوجبات المجمدة الجاهزة أو المحتوية على مواد حافظة X الوجبات المنزلية المحضرة للتجميد أو التبريد.
● الخبز الأبيض X خبز الحبوب الكاملة.
● المايونيز X الخردل.
● الصلصات الدسمة البيضاء X صلصة الطماطم والخضار.
● كريمة الخفق والطبخ X كريمة جوز الهند/ حليب جوز الهند.
● بسكويت الزبدة X بسكويت الأرز.
والقائمة تطول بهذه البدائل فما عليك سوى البحث والتثقف والتطبيق، أمَّا فيما يخصُّ مساعدة الجسم في التخلص من بعض الأمراض أو اتّقائها وخصوصًا الالتهابات فإنّ بعض الأطعمة المهيجة لا بد من تفاديها كما رصدها أخصائي التغذية Anthony William وهي الذرة وزيت الذرة، الصويا، البيض، مشتقات الألبان وبالأخص في حالة حساسية اللاكتوز، الأسماك المستزرعة، الجلوتين وهو بروتين موجود في منتجات القمح، النكهات والمحليات الصناعية ( Anthony William, Medical medium, New York: Hay house,P:277)، كما يمكن إعطاء الجسم فترة راحة من خلال تقليل اللحوم والألبان والسكريات والدهون قدر الإمكان أو حتى الامتناع عنها لفترة وإحلال العصائر الطبيعية والخضار والفاكهة والطعام النباتي مكانها كنوع من التخفيف على الجسم لفترة بسيطة ثم العودة إلى النظام العادي.
إنَّ لجسم الإنسان قدرة هائلة على تعديل الاضطرابات وإعادة التأهيل، ولكن نحن مسئولون عن مساعدة أجسامنا على القيام بذلك، ونحن من يختار المنحى الذي يسير فيه عمل أجسامنا، كل ما في المسألة هو الاختيار المتوازن الصحيح، واختيار أن يكون الأكل من أجل الحياة لا من أجل لذة ومتعة مؤقتة نهايتها التعب والمرض، وعلينا أن نؤمن بقدرة أجسامنا على ذلك حتى يستجيب الجسم بصورة أفضل.
إن كثير ممن يعانون من اضطرابات الهضم أو اضطرابات أخرى ينعكس ذلك على الجانب النفسي لديهم بل وتتغير طريقة معاملاتهم اليومية، وهذا تماما ما يربط بين صحة التغذية والسلامة النفسية، فإن الغذاء الصحي المتوازن يساهم في تقليل أعراض الأمراض والسيطرة عليها وهذا ما ينعكس على الحالة النفسية وبالتالي الاجتماعية للفرد، وهذا ما أثبتته دراسة طبية في جامعة هارفارد في وجود اتصال مباشر بين الدماغ والجهاز الهضمي، لهذا قد نجد بعض الأشخاص عند مرورهم بأزمة أو توتر فإنه قد يفقد شهيته أو يشعر بمغص والعكس أي قد نجد من لديه مشاكل هضمية يكون لديه اكتئاب أو ضيق أو مزاج سيء، فملخص القول اتزنْ في طعامك يتزنْ بدنُكَ.