قال تعالى : (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) سورة الشعراء، آية 77.
رويّ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام وهو يخاطب العلاء بن كامل: “عليك بالدعاء فانه شفاء من كل داء“ الكليني، الكافي، ج2 ص 470، يمكن استخدام الدعاء كأحد أنواع العلاج بالقراءة هو والقرآن الكريم، في التشافي بالقرآن كنا نقرأ كتاب الله، ونجلس بين يديه سبحانه وتعالى لنستمع له، أما في التشافي بقراءة الدعاء فإننا نقرأ ما يجعلنا نتكلم مع الله مباشرة، في الواقع نحن نعيش جلسة تفريغ وجداني وفضفضة نضع فيها كل همومنا ومشاكلنا ورغباتنا بين يدي الله، إنها بالفعل تجربة روحية عميقة، نستعيد فيها قوانا، وتتبرأ فيها الروح من كل أمراض القلب، وحينما يكون الدعاء بلسان الحال والحاجة والافتقار نرى أثر الاستجابة ظاهرًا وسريعًا على سلامة البدن؛ فالدعاء والطلب نفسه وسيلة لتجديد العقل والجسد والروح.
فوائد التشافي بقراءة الدعاء
طلب المعجزة: في الواقع يتميز التشافي بقراءة الدعاء عن غيره بأنه يطلب المعجزة، فالأمور التي لا يقوى عليها أحد يمكن أن نلتمسها أو نتطلع لها عند الله وحده تعالى، وبيقين ” وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ“، وعلى قاعدة أنك يارب أوجدتنا ومنحتنا الحياة، وأن كل نفس نتنفسه هو من فيض عطاياك وأرزاقك، وبحولك وقوتك يارب كل شيء ممكن.
تحفيز العقل: تمكننا طريقة التشافي بقراءة الدعاء من تشجيع العقل بلطف على الابتعاد عن حالة القلق والتوتر وبدل ذلك ندخل في حالة من الهدوء والاسترخاء والتركيز والخشوع والركون لله وقوته.
التخلص من الضغوط النفسية والعاطفية: نحن نسمح لكل المشاعر المقموعة والمكبوتة والمنسية بالظهور والتدفق إثناء قراءة الدعاء، لأننا نجعلها مكشوف ونقر بها أمام الله ، مع رجاء أن يبقى منها ما هو خير، وان يستبدل الله ما هو مؤلم بما هو نافع ومحفز.
الراحة وتبديد الإحباطات: يمكن أن يؤدي الدعاء المقروء أو المسموع دور التخيّل الموجه، قد ينقلك في جو من المحاسبة والمعاتبة ثم الصفح والمسامحة، وبذلك يحرّر الروح من القسر والإكراهات التي اكتسبتها من خلال تراكم الأخطاء.
التطمين: مما ينعكس على إعادة التوازن والاسترخاء والسكينة للجسد، فهو يعزز قدراتنا عند استخدامه بوعي في مواجهة الإجهاد وضغوط الحياة فقد روي عن الأمام الصادق عليه السلام أنه قال عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا أدلكم على سلاح ينجيكم من عدوكم ويدر أرزاقكم قالوا بلى قال تدعون ربكم بالليل والنهار فإن الدعاء سلاح المؤمنين.
طريقة آمنة وغير مكلفة في التشافي: بخلاف الكثير من أنواع العلاجات مدفوعة الثمن فإن العلاج بقراءة الدعاء مجاني ، إنه هبة من الله لنا وهو خالي من الآثار الجانبية.
أنواع العلاجات التي يؤازرها الدعاء
الدعاء هو من أكثر طرق التشافي شيوعًا للتتطمين ولتخفيف القلق والاضطرابات، والذي يمكن استخدامه بأشكالٍ عديدة ودمجه مع أساليب أخرى في العلاج النفسي والممارسات الروحية، فهو يعمل كمعزز ورافد لطرق أخرى مثل: العلاج المعرفي، العلاج العقلاني الانفعالي، العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة.
طريقة العمل: بالنسبة للمسلم يشكّل الدعاء جزءًا من ممارساته اليومية، وهو بشكل تلقائي وعفوي يستخدم للأفراد، وللجماعات المتوافقة في حاجة ما، وبين الأسر.
إنّ تجربة الدعاء المنتظم توفر لك أملا، وتكسبك قوة إضافية، وهذا يجعلك تشعر بالتحسن وانتعاش واستعداد لمواجهة تحديات حياتك اليومية وبأسلوب صحي، فمع التصديق بالدعم والإسناد من الله ومع الممارسة المنتظمة على مدار الأسابيع سوف تتحسس قوة لا متناهية تسندك.
جلسات العلاج بقراءة الدعاء
دور المعالج:
١- يستطلع قاريء الدعاء أنواع المشاكل ومجالات الضغوط التي يمر بها الأفراد والجماعات.
٢- تعليم الأفراد على الخلوة مع الله والانفراد والتحدث معه بشكل مباشر وحر.
٣- شرح مضامين الأدعية، وتشجيع القاريء أو المستمع على التعبير عنها بأسلوبه.
٤- الدعاء للمريض بصوت عالٍ وبمحضره بما يبلسم ألمه ويؤمن المريض على الدعاء.
٥- وعد المريض بالدعاء له في ظهر غيب والطلب من الصالحين أن يدعو له، وقد روي عن مولانا الصادق عليه السلام: “دعاء المرء لاخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه“ الكليني، الكافي، ج 2 ص 509.
٦- ينتخب أدعية مأثورة عن طريق بيت العصمة والنبوة شريطة أن تكون وموجهة وتركز بشكل مباشر على علاج الإكراهات التي يعاني منها المريض.
٧- يخطط لنوع النشاط المناسب، والذي قد يكون:
أ. دعاء مسموع بشكل فردي.
ب. ضمن مجموعة بعد الصلوات وفي ليالي الجمع وبعض أيام السنة فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام بقوله : “ما من رهط أربعين رجلا، إجتمعوا فدعوا الله عزوجل في أمر إلا إستجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزوجل عشر مرات إلا استجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبار له“ الكليني، الكافي، ج2 ص 387.
ج. ومقروء في أوقات محددة ومخصوصة فقد ذكر الامام الصادق عليه السلام، مجموعة من الاحاديث، عن الاوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء، وهي :
● عن الأمام الصادق عليه السلام أنه قال: ” أطلبوا الدعاء، في أربع ساعات: عند هبوب الرياح، وزوال الافياء ونزول القطر، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن، فان أبواب السماء تفتح، عند هذه الاشياء.
● وعنه عليه السلام: يستجاب الدعاء في أربعة مواطن: في الوتر، وبعد الفجر، وبعد الظهر، وبعد المغرب.
● وعنه عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : اغتنموا الدعاء عند أربع : عند قراءة القرآن، وعند الاذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة.
● وعنه قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير وقت دعوتم الله عزوجل فيه الاسحار، وتلا هذه الآية في قول يعقوب: “سوف أستغفر لكم ربي” قال: “أخرهم إلى السحر“.
● وعنه عليه السلام: كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم شيئًا فتصدق به وشم شيئًا من طيب وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله“ الكليني، الكافي، ج2 ص 477.
● عنه عليه السلام أنه قال: إن في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثم يصلي ويدعو الله عزوجل فيها إلا استجاب له في كل ليلة، فقال عمر بن أذينة: أصلحك الله، وأي ساعة هي من الليل؟ قال عليه السلام: إذا مضى نصف الليل، وهي السدس الاول من أول النصف“ الكليني، الكافي، ج2 ص 478.
● وروى عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام، عن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، قال: ما بين فراغ الامام من الخطبة، إلى أن تستوي الصفوف بالناس، وساعة أخرى من آخر النهار، إلى غروب الشمس“ الطوسي، مصباح المتهجد، ص 254.
● دمج أسلوب العلاج بالدعاء مع أساليب العلاج الأخرى، وحثه على أن يكون الدعاء مقرونًا بالعمل، فعن للإمام الصادق عليه السلام: رجلٌ قال: لأقعدنَّ في بيتي، ولأصلّينَّ، ولأصومنَّ، ولأعبدنّ ربّي، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال الإمام الصادق عليه السلام: “هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم“الكليني، الكافي، ج 5 ص 77.
الرابط المشترك بين كل ما سبق يسهم في تخلي المريض عن الشعور بأنه بمفرده وليس هناك من يحبه ويحميه ويدعمه.
دور كتب الأدعية
وظّف أئمتنا عليهم السلام الدعاء كأسلوب من أساليب الدعوة والتقرب لله، وقد تفردت أدعيتهم بخصائص لن تجدها عند غيرهم، وذلك ببساطة لأنها صادرة من قلب سليم عارف بالله: ويمكننا أن نجمل تلك الخصائص فيما يلي:
1) شاملة لكل حاجات الإنسان فعلى سبيل المثال الصحيفة السجادية مشحونة بالدروس النفس والأخلاق إنها بحر متلاطم في المعارف الإلهية، وكل دعاء يحمل في طيته درسا بليغ، إنها تشبه الخطب العصماء لأمير المؤمنين في نهج البلاغة، ويمكن اعتبار الصحيفة السجادية دائرة معارف إسلامية متكاملة.
2) مليئة بالنغمات المعنوية والمقامات الروحية فيمكن أن تلاحظ خارطة طريق النمو الروحي والتكامل في المناجاة الشعبانية، أوتتعرض لنسائم الأسماء وتجلياتها في دعاء السحر، أو تختبر تلونات النفس وحبائل مكرها في دعاء مكارم الأخلاق.
3) مركزة وعميقة الغور تشرح معاني لطيفة لن تجدها مدونة في غيرها تأمل كيف يصف الأمام السجاد عليه السلام التقوى بجملة قصيرة «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ»، راقب المعاني التي يوصف بها الإمام لباس التقوى “فِي بَسْطِ الْعَدْلِ“؛ “وَكَظْمِ الغَيْظِ“؛ “وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ“؛ “وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ“.
دور من يريد التشافي بالدعاء
التصديق: والثقة بأن كل مشاكله قابلة للحل إذا وفى هو لله تعالى بعهد الاستقامة واطلب من الله العون قال تعالى “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ“ سورة غافر، آية 60، وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: “إن الله عزوجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الاجابة“، وقال عليه السلام لبعض اصحابه: إذا دعوت فاقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب“.
الاجتهاد والالتزام: يتطلب العلاج بالدعاء انضباط والتزام، قد يجده بعض الناس صعبًا إذا كنت كذلك فالاشتراك مع مجموعة منتظمة في قراءة دعاء سيكون الحل المناسب لك.
الخلوة مع الله: فمن المفيد جدًا أن يكون لك خصوصيتك، لذا كان الصالحون من السلف يفرغون شطرا من الليل لمناجاة الله، وقد أظهرت تجارب الصالحين أن الأشخاص الذين ينشغلون بالمناجاة ليلا يلاحظ عليهم هدوء وسكينة وعدم أو انخفاض مستوى التوتر وهذا يسمح لهم بالتعافي من المواقف العصبية بسهولة أكبر، وتجربة أقل من الإجهاد الحاصل عند تعرضهم للضغوط المختلفة، ويعتقد أن المناجاة ليلا تسهم في تحسن المزاج الإيجابي.
الطلب من الله على كل حال: من المهم أيضًا أن يصحبك الدعاء في كل فعل من أفعال حياتك وفي أي مكن كنت، فقد روي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار“، وأوصى الامام عليه السلام صاحبه ميسر بن عبد العزيز بملازمة الدعاء في جميع الاحوال، قال له: ” يا ميسر ادعُ ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله عزوجل منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبدًا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئًا، فسلْ تعطَ، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه“ الكليني، الكافي، ج 2 ص 466.
الخشوع وحضور القلب: وكأنك تتحدث مع الله مباشرة وترى نفسك ماثلا أمام رب العالمين ، ومستحضر هيبته وكبرياءه، وقد تجد في البداية صعوبة في تحرير عقلك من أفكار اليوم، لذا ننصحك تقرأ أو تستمع فقرات صغيرة من الدعاء وفي أوقات متفرقة من اليوم.