سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «ما سَعِدَ مَن شَقيَ إخوانُهُ». 

(11000 حكمة للإمام علي (عليه السَّلام)، الآمدي، الصَّفحة 201)
الذِّكر .. بوابة السعادة | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

الذِّكر .. بوابة السعادة

خروج من الضنَك – الذِّكر .. بوابة السعادة

تُعدالمُلهياتالعنوان الأبرز في عصرنا الحالي، فحياتنا تحت وابل من صنوف الملهيات، ففي ظل ثورة الاتصالات المحمومة تشغلنا وسائل التواصل الاجتماعي بحيث نصرف قدرًا كبيرًا من أوقاتنا اليومية في مشاهدة عشرات الأفلام القصيرة والطويلة، ومئات الرسائل النصية والصوتية، وربما مئات الصور التي تنهال على هواتفنا الجوّالة في كل آن بلا توقف وقيد، هذا مع سيطرة الكثير من القنوات التلفزيونية على أذهان الكثير منا، وهي تستخدم أكثر وسائل التأثير النفسي والاجتماعي الجاذبة إنْ لم تكن المضلّلة والخادعة، ناهيك عن العبث بالقيم والمبادئ والأخلاق في المستوى الأقل إنْ لم نقل حياكة الدسائس والمؤامرات بما هو أخطر وهو التشكيك والفتك بالمعتقدات.

ليس من قبيل المبالغة القول إننا بتنا نتنفس ما ينضح به الإعلام بمختلف وسائله، إنْ لم نكن ضحاياه، فكثير من الأفكار تتسلل إلى عقولنا بهدوء تام ومن حيث لا نشعر أو نحس، فتُحدث إرباكاتٍ وتشوشاتٍ في أنماط تفكيرنا وسلوكنا وأخلاقنا ومعتقداتنا وثقافتنا، وتُغيّر كثيرًا من قناعاتنا الراسخة وربما المحقة، ومَنْ يعمل على هذه التغذية اللحظية هم دهاة ودهاقنة وعمالقة أدوات الإعلام الرقمي، الذين يُسّخرونه بحسن ظن أحيانًا وسوء ظن في أحيان كثيرة جدًا، إنْ لم يكن لأهداف شيطانية خبيثة فلا أقل من جعلنا سوقًا استهلاكيًا لمنتجاتهم، وهذه المنتجات بحد ذاتها قادرة على تغيير أنماط حياتنا بشكل كبير، فهي تسلّع معيشتنا وتجعلنا نحن أيضًا سلعًا سهلة البيع والشراء والتداول في أسواق لا ترحم.

هذه الحياة العصرية باتت تهدد سكينة الإنسان وهدوئه في عقر بيته، فهل يتصور أحدنا أنه في مأمن عن غزوات تترى على مخيلته آناء الليل وأطراف النهار؟! والرسائل الناعمة السلبية التي تثير المشاعر المحبطة والمؤلمة والمثيرة، وغيرها التي تبحر بخيالنا نحو آفاق شيطانية مخيفة وربما تلبث أيامًا وأشهرًا وسنوات تقودنا، وتضغط تفكيرنا، وتنعكس على كل سلوكياتنا، نحن نعيش عالمًا مخيفًا بحق، فطوفان النصوص والصور والفيديوهات المتدفقة على أدمغتناإنْ لم يكن هناك رقابة ومحاسبة ووعي وبصيرةقادرة على الفتك بشكل مؤكد على روحية الأخلاق والدين، وهل بعد الدين والأخلاق من باقية لنا؟ ومن هنا فإننا نحتاج إلى يقظة من الغفلة وتنبّهٍ من النسيان الذي طال.

وربَّ سائلٍ يسأل: وما السبيل لليقظة؟ ونقول بجواب سريع ومقتضب رغم الصعوبات على مستوى الواقع: نحتاج إلى نهضة مبدئية قيميّة حقيقية تتصدى عن وعي وإدراك، نحتاج إلى أدوات إعلام توجد البديل وتوفر المناخات والأجواء الآمنة لنفوسنا وأرواحنا وأجيالنا التي غدتْ في مهب الريح، منهكة معتلة مريضة، نحتاج إلى الأوب إلى تلك القيم الإلهية التي بات كثير منا يرميها خلف ظهره ولا ينظر إليها ولو لمرة واحدة، قد أعمتْهُ أضواء شبكات التواصل والقنوات الإعلامية الضخمة التي تلقي كل يوم بأحمال تنوء بحملها الجبال، بل لا تترك له وقتًا يلتقط أنفاسه، يقال أنَّ حجم الفيديوهات التي ترفع على اليوتيوب يوميًا تحتاج إلى أكثر من ٧٠ سنة لمشاهدتها.. تخيل ذلك! أعمار!

الواقع ليس سهلًا، والعمل فيه يحتاج إلى تخطيط ووسائل معينة، ورؤوس أموال ضخمة توظف بشكل فاعل، ويقظة مستمرة، وقبل ذلك إدراك معنى العبودية للخالق العظيم، وإلا سنكون فريسة سهلة لمن همّه العبث بكل قيمنا ومبادئنا الإسلامية القويمة، طالعْ حولك، ستشاهد في بيتك، وبين أفراد مجتمعك، ومن بني أمتك من انجرف في تيه الأفكار الواسعة التي غزتنا بأدوات مختلفة ربما نجهل كثيرًا منها، فلم توفر كل وسائل الترغيب وبذكاء عال وسحر آسر، ناهيك عن وسائل الترهيب التي تمارسها إمبراطوريات المال ودول الطغيان.

كل ما يحيط بنا يرمي بنا في مرمى الغفلة، ويستلب عقولنا وعواطفنا أيضًا، وحين تتكاثر الغفلة آنًا بعد آن يسيطر ويطغى على قلوبنا النسيان، والنسيان المخيف هو نسيان الخالق العظيم وفلسفة الوجود وأهداف الخلق والبعث، فسيطرة الماديات والملهيات تورثان الغفلة والنسيان والابتعاد عن مصدر الهدوء والسكينة والطمأنينة والسعادة، أليس هذا ما نلمس مصاديقه في مختلف جوانب حياتنا؟ فترى بعضًا منا يلهث وراء سراب هنا وسراب هناك ناسيًا حقائق جوهرية كانت كل حياته قبل ذلك، فيقع في ضنك العيش بسبب إعراضه عن ذكر المسبب وعلة الوجود وهو الله والعمل بما أمر والانتهاء عما نهى، يقول تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ سورة طه، الآية ١٢٤، هذا هو مصيره، المعيشة الضنك والتي تعني الضيق من وفي كل شيء، والتعب والشقاء الدائم. أوَ هل تبقى هناك بهجة لنفسه وسعادة لروحه وهو يعرض عن مصدرها؟!

إذن هو الذِّكر الذي نتحدث عنه، وجاء في آيات كثيرة، وورد على ألسنة روايات متعددة، ذكر الله، هو أن يكون الله حاضرًا في قلوبنا، متشربة به أرواحنا، ومسيطر على أعماق وجداننا، وكل باطننا وتفكيرنا بوجوده وإحاطته وقدرته وجبروته وعلمه وكل صفاته، نحتاج إلى التأمل كثيرًا في هذا، فهو الطريق للراحة والسكينة، حين ننتقل إلى هذه الضفة نوفر لأنفسنا ما تريد من هدوء وطمأنينة، وكم نحتاج إليهما في هذا الواقع المليء بالمنغصات والابتلاءات والأمراض وكل صنوف المعاناة والضغوط.

تشير الدراسات إلى أن الدِّين هو السبيل لإنقاذ إنسان اليوم من كل الضغوط المحيطة به، فهو أمام طريقين: إما الاستسلام الكلي والعيش بكل الآلام التي تحيط به ولا توفر له سبل السعادة والاستمتاع إلا برهة من الزمن ثم يعاوده الشقاء والألم، وإمَّا أن يركن لحقيقة مطلقة للدِّين الذي يوفر له سبل السلام الداخلي ويأخذ بيده إلى ركن قوي قادر على إعادة التوازن له وبث الأمل وتنفس السعادة الحقيقية التي يرجو، والطريق الأخير حتمًا هو ما ينشده ويسعى إليه، ولكن المشتتات على الطريق لا تتركه لكي يختار بإرادة وقناعة، هي تضغطه وتستمر في مصادرة قراره بتأجيج الشهوات وبعث كل قوى النفس الشيطانية وتسخيرها لكي تودي به وتهلكه، في النتيجة هي منازلة قاسية من دون شك، والعاقل من يعيد النظر مرات ومرات فيتأمل في ما تريده النفس بحقيقتها النورانية من عيش سعيد في الدنيا ومآل سعيد في الآخرة.

  وخلاصة القول: في واقعنا المتعولم والضاغط والملهي نحتاج إلى الجنوح بأنفسنا إلى بر أمان نثق به وينجينا من هذه المدلهمات المهلكة، وليس من مُنجٍ سوى الله، الذي أوجدنا وهيأ لنا الأرض بكل خيراتها، وأراد لنا أن نعمر قلوبنا وأرضنا بالعمل الصالح والسعادة، وحين نستعرض كل ما يحيط بنا اليوم نرى أكثره بات يمهد الطرق للضياع والتيه، والطريق الذي يعد ملاذًا آمنًا لكي نعيش هذه الحياة بسعادة هو الأوب والعودة إلى الله ومعرفته والإيمان به كما أراد، وذكره في كل آن وحال بحق وعمق، فباستحضاره الدائم تطمئن القلوب وتهدأ النفوس، قال تعالى﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ﴾ سورة الرعد، الآية ٢٨.

  لنجربْ هذا الدواء الشافي، والذين لجأوا إلى المسكنات والمهدئات وربما لم تفلح هذه العلاجات، فليجربوا هذه الوصفة مع عدم ترك الوصفات الطبية النافعة لهم، فقول المختص ينبغي أن يحترم عقلًا، لكن ليضيفوا إليه هذه الوصفة: إعادة التفكير في هذا الخلق والتفكر بجد ليصار بعد ذلك إلى التذكر والذِّكر والانفتاح على هذا الفضاء الجميل الذي سنضيء عليه في المقالة المقبلة إن شاء الله.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
الإجهاد والتوتر ٢ : التأثيرات الجسدية للإجهاد

الإجهاد والتوتر ٢ : التأثيرات الجسدية للإجهاد

الوسواس عند الأطفال

الوسواس ٦ : الوسواس عند الأطفال

الاستشفاء بالقرآن عند أهل البيت

الاستشفاء بالقرآن عند أهل البيت

العلاج بالغمر

العلاج بالغمر

خوف شديد منذ الطفولة -A man is hugging his son tenderly in the kitchen, overcoming a deep fear since childhood.

خوف شديد منذ الطفولة

انشراح الصدر | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

انشراح الصدر

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

معلومات عامة عن الجن

معلومات عامة عن الجن

العلاج بالتوعية | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالتوعية

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer