إن مرضى الوسواس القهري يعيشون حياة صعبة موهنة ومضعفة لأرواحهم وأجسادهم، لكن ما يسر هو إمكانية علاج هذا المرض بالإصرار والصبر، فما هو الوسواس القهري؟ وما علاقته بتقنية التعرض ومنع الإستجابة؟ هذا ما ستتعرف عليه في السطور القادمة.
مرض الوسواس القهري يتكون من قسمين:
١- الوساوس أو الفكرة الوسواسية.
٢- الطقوس القهرية.
كيف يتكون المرض؟
تكون هنالك فكرة ملحة ثم تولد شعور، وهذا الشعور يولد فعلًا، ويبقى يتكرر الفعل فيتحول في النتيجة إلى طقس قهري.
ماهي هذه الأفكار؟
تأتي الأفكار على شكل صور ذهنية أو حالة أو فكرة ذهنية.
ماهي هذه المشاعر التي تولدها هذه الأفكار؟
١- الشعور بالعار.
٢- الشعور بالإشمئزاز.
٣- الشعور بالخوف.
٤- الشعور بالإحباط.
٥- الشعور بالغضب.
٦- الشك.
ما هي الطقوس المترتبة على ذلك الشعور؟
أولاً الطقوس هي الأفعال التي يقوم بها المريض من أجل تخفيف هذه المشاعر التي ولدتها الأفكار الوسواسية، وبعد تكرار هذه الأفعال مراراً تتحول إلى طقس، ولا يمكن حصر الطقوس لأن لكل فكرة طقسًا مختلفً، فعلى سبيل المثال: لو أنَّ فرداً يعاني من وسواس النظافة أو التنظيف فإن لمسه إلى أي سطح يعتبره ملوثًا، قد يثير لديه مشاعر الخوف حتى يصل إلى درجة أنَّهُ يرى نفسه يؤدي طقوسًا يخفف بها من وطأة هذا الشعور، فيقوم بغسل يديه مرات عديدة خوفًا من التلوث والجراثيم التي يمكنُ أنْ تتسبب في ضررٍ لصحته أو قد تكسبه مرضًا مميتًا فيتعود على الغسيل والتنظيف والإستحمام بشكل متكرر، فيكون الطقس هنا في هذه الحالة: هو تكرار غسل اليد والتنظيف والإستحمام.
كيف نساعد مريضنا ليتخطى مشكلة الوسواس القهري؟
سنقترح عليه أفضل وأنجح التقنيات المتبعة في علاج الوسواس القهري والتي أثبت نجاحها عند الكثير من المرضى ألا وهي تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP).
يرتكز ERP على شقين رئيسيين:
١- التعرض لكل ما يثير الخوف بتعمد.
٢- الإمتناع عن الإستجابة (الطقوس) مهما بلغ الشعور .
نظرياً، يعمل ERP على الشقين الرئيسين للوسواس القهري كالتالي:
الوساوس أو الأفكار الوسواسية:
يهدف الـ ERP إلى إظهار حقيقة أنْ تكون لدينا أفكار مزعجة ونشعر بالضيق بسببها، ولكن المهم أنْ لا نفقد السيطرة عليها، ومفتاح الحل هنا هو (التعرض لهذه الأفكار) .
الطقوس أو الأفعال القهرية:
يهدف الـ ERP أن يرى المريض حقيقة الطقوس التي واقعًا ليست سوى مهدئٍ قصير المدى للقلق والشعور ولكن في نهاية الامر هو يزيد هذه الأفكار الوسواسية، ومفتاح الحل هنا هو (الإمتناع عن هذه الطقوس).
كيف نطبق تقنية ERP عمليًا؟
ERP يمكن تطبيقه بالخطوات التالية:
١- اكتب قائمة بمخاوفك.
٢- رتّب المخاوف من الأقل إلى الأكثر شدة.
٣- في هذه الخطوة سنقوم باختيار نوع التعرض للمخاوف،
وينقسم التعرض إلى قسمين:
أ) التعرض المباشر الكلي.
ب) التعرض التدريجي.
ننصح دائمأ بأن تبدأ بالتعرض الكلي إلا إذا حاولت وكان ذلك صعبًا عليك فيمكنك أن تتحول إلى القسم الثاني وهو التعرض التدريجي.
٤- إبدأ التعرض لهذا الخوف عمدًا ودعه يثير لديك الخوف ويصاعده عندك، وابقَ ممتنعًا عن فعل أي طقس يخفف مشاعر القلق عندك، وهكذا صمّم على الإمتناع مهما يبلغ بك الشعور، وبعدها سترى أنَّ خوفك سيكون مرتفعًل بدايةً ومن ثمَّ سينخفض تدريجيًا.
٥- كرر التقنية خلال اليوم وحتى تنتهي من شعور الخوف كليًا.
٦- لا تنتقل إلى المرحلة التالية إلا بعد أنْ تتأكد أنَّ مشاعر الخوف للمرحلة الآنية قد انتهت تمامًا.
٧- كرّر الخطوات ٤ و ٥ و ٦ على كل مرحلة في قائمتك.
مثال على التعرض الكلي: “ب” شخص لديه وسواس الخوف من التلوث بالجراثيم لأنَّ باعتقاده قد تصيبه بالمرض أو تضره ضررًا مميتًا، فعندما تلمس يداه أي سطح يثير ذلك لديه الخوف من أنّ ذلك السطح سيكون ملوثًا و مجرثمًا، وربما أنَّهُ نجس، فيتسبب له بالمرض فيقوم بطقس غسل اليد مرارًا، وقد يطول الأمر إلى الإستحمام والإغتسال لفترة زمنية طويلة، وبعد ذلك يشعر بالراحة، إلا أنَّهُ لا يلبث أنْ يتكرر ذلك الموقف فيضيع أغلب وقته في التنظيف والإستحمام حتى يستهلكه الامر.
عندما يقوم “ب” بتطبق العلاج من خلال:
١- كتب ممَ يخاف.
٢- حدّد ما هو أقل إلى أكثر شيء يثير لديه هذا الخوف فيدفعه لفعل الطقوس المعتادة .
٣- إحدى هذه القائمة هي أنه يخاف أن يلمس مقابض الأبواب الخارجية في المنزل.
٤- تعمد “ب“ التعرض لكل مقابض الأبواب عن طريق لمسها والإمتناع عن غسل يديه مهما بلغ به الشعور واستمر هكذا يكرر التعرض طوال اليوم.
بعد إنقضاء مدة إسبوع، شعر “ب“ أن الخوف بدأ مرتفعًا في بداية اليوم وانخفض تدريجيًا مع التكرار، حتى انتهى الشعور المصاحب للتعرض دون إبداء أي فعل يخفف هذا الشعور، وتعلَّم حقيقة مخاوفه بأنها ليست بهذه الدرجة من الضرورة .
مثال على التعرض بالتدريج:
“ج” شخص لديه خوف من المصاعد الموجودة في البنايات حيث تشعره مساحتها الضيقة بعدم الإرتياح فهو دائمًا ما يتجنب هذه المصاعد الموجودة في الأبنية العالية، وعند تعرضه لهذا الخوف، لم يقمْ مباشرة بالدخول إلى المصعد، وإنما اختار طريقة التعرض بالتدريج، مثل:
اليوم الأول: يدخل إلى أحد البنايات .
اليوم الثاني: يتوجه إلى المصعد و يضغط زر المصعد .
اليوم الثالث: يحاول الدخول إلى المصعد مع احد المقربين ويبقى في المصعد وبابه مفتوح لمدة ثلاث دقائق و يخرجان .
اليوم الرابع: يحاول الدخول إلى المصعد مع احد أقربائه ويقوم بتجربة الصعود إلى أحد الادوار.
اليوم الخامس: يصعد “ج“ لوحده ويصعد إلى أحد الأدوار ومن ثم ينزل مجددًا .
ومع كل هذه الخطوات كان “ج“ يشعر بخوف شديد ولكنَّ شدة الخوف هذه انخفضت تدريجيًا حتى تلاشتْ، وبالطبع ليس تعرضًا فقط وإنَّما الإمتناع عن أي شيء يفعله لتجنب التعرض مثل أن يركب الدرج بدلا من المصعد.
يمكنك تطبيق مثل الخطوات على حالتك وقائمتك التي كتبتها، أنت تحتاج فقط الإلتزام والصبر مهما بلغ بك الشعور وأن لا تقوم بأي فعل يبعدك أو يجنبك عن التعرض، تذكر دائمًا هذه المثل القائل “إن الأمور تسوء قبل أن تتحسن“.
التعود (Habituation)
لابد أنك مررت أو أحد اخوانك أو أبنائك في موقف مثل الخوف من النوم في الظلام حين كنا نهرب من غرفنا إلى غرف آبائنا خوفا من الظلام أو خوفاً أن يكون هناك وحش يختبئ تحت السرير . ولكن في كل مرة كان آباؤنا يأخذوننا إلى اسرتنا في كل ليلة ويغلقون الأنوار، وهكذا حتى ( تعودنا ) و ( تعايشنا ) مع الظلام و بعد أن كبرنا عرفنا أننا لم نمت في الظلام وأنه لا وجود للوحوش كما ظننا.
فبتغيير سلوكنا ( بقائنا في الظلام ) فقد غيرنا بشكل غير مباشر أفكارنا ( الوحوش ) و بالتالي تلقائياً تغيرت مشاعرنا ( الخوف). هذا ما يحدث بالضبط في كل العلاجات السلوكية الناجحة للوسواس .
فما هو التعود أو التعايش؟
هو المفتاح لفهم طريقة التحكم في الأفعال القهرية والوسواس.
بماذا سأشعر قبل أن أصل لهذه المرحلة؟
قد تعتقد أن حالك ذلك سيطول مدى حياتك إلا إذا قمت بالفعل القهري المعتاد أو تجنبت التعرض لما يثير قلقك، وقد تشعر كذلك أنك لا تستطيع التعامل مع هذا المرض وقد تفكر في الإستسلام، ولكنك في النهاية ستعرف أن كل ذلك غير صحيح .
فكيف تصل يا صديقي إلى مرحلة التعود أو التعايش أثناء العلاج ؟
١- مارس.
٢- تعرض.
٣- لا تستجيب.
كرّر ١ و ٢ و ٣ .
بداية توقّع أنك ستشعر بالضيق والإنزعاج، ولكن بعد ممارسة التعرض ومنع الإستجابة مرارًا وتكرارًا فإن كل هذه الحالات لن تشعرك بعدم الإرتياح كما بدأتْ في السابق بل ستنخفض حتى تتلاشى وتنتهي وتكون بذلك لو تعرض لك أي شيء من هذا المثير فإنك لن تتأثر به وهذا هو التعود، عزيزي الشجاع ستنتصر يومًا ما.
الطمأنينة الصحيحة و الطمأنينة الخاطئة في العلاج (Reassurance)
لو كنت تحب شخصًا يعاني من مرض اضطراب الوسواس القهري فعليك فورًا التوقف عن التطمين الذي يجعلك شريكا في الطقس، وكذلك عزيزي القارىء إنْ كنت شخصيًا تعاني من هذا الإضطراب فعليك التوقف فورًا عن طلب مشاركة غيرك معك في الطقس الوسواسي كلما شعرت بالقلق، لأن ذلك من شأنه أنْ يزيد من شدة الأعراض الوسواسية لديك.
ماذا نعني بالطمأنينة ؟
هي عبارة عن فعل يزيل أو يخفف شكوك أو مخاوف شخصًا ما، لنأخذ مثال من الواقع، لو أنك كنت سائرًا في الطريق و رأيت طفلاً كان يلعب بالجوار بدراجته الهوائية وفجأةً سقط الطفل على الأرض فلاحظت أنَّ إمرأةً أخذت تركض مسرعة بإتجاهه وقامت باحتضانه وطمأنته بقولها له (لا تخف يا بني لم يحدث لك شيء , إنك بخير أو ستصبح على ما يرام.
أو كنت في أحد المقاهي ورأيت الطاولة التي بجانب طاولتك يجلس عليها جمع من الأصدقاء يستمعون لأحدهم الذي يشكي بأن شيئاً ما يحدث له وهو خائف فيقومون أصحابه بطمأنته بأنه ( لا يجب عليك التفكير كذلك ، لربما كان ذلك أفضل لك ) وما إلى ذلك من هذه العبارات التي من شأنها تهدئة قلق هذا الشاكي .
كل هذه الأمثلة هي لأشخاص يعطون الطمأنينة لأشخاص آخرين هم يعتقدون أنهم بحاجة إليها في وضعهم الحالي ، و حقيقة الأمر إن طلب الطأنينة هو جزء لا يتجزأ من حياة أي شخص منا ، فكلنا بحاجة إلى من يستمع لمخاوفنا ويطمأننا أن ما نخاف وقوعه هو لن يقع أو ان المستقبل سيكون أجمل .
هل من الطبيعي أن نحتاج إلى الإطمئنان ؟
نعم، فإن كل الأشخاص بداية من الأطفال حديثي الولادة وحتى البالغين والأشخاص الأكثر حكمة يشعرون أنهم بحاجة قوية إلى الإطمئنان في الحالات التي تثير لديهم الذعر أو الخوف أو القلق أو الحزن و الضغط ، فهذه المشاعر تصنف على أنها مشاعر غير مريحة فلأجل أن نتغلب عليها يلجأ معظمنا إلى من يطمأنه وهذا الإطمئنان يكون له اثر إيجابي قصير المدى أو على الأقل في الوقت الآني .فالإطمئنان هو ليس شيئاً نصنفه على انه سيء أو جيد ولكن نقول أن الإطمئنان هو شي طبيعي في حياتنا.
ولكن السؤال متى يتحول الطمأنينة إلى عرقلة لتحسنك من المرض؟
نُجيبُك أنه عندما ينتقل المسمى من (طمأنينة طبيعية ) إلى (طمأنينة مفرطة تصل إلى المشاركة في الطقس الوسواسي).
لماذا مرضى الوسواس القهري يطلبون الطمأنينة ؟
لأن مريض الوسواس يريد أن يتغلب على شكوكه ومخاوفه الحالية التي تعتريه الآن . فعندما يكون غير متأكد من شيئاً ما فإنه يقوم بتكرار الفعل القهري أو قد يوكل مسؤلية خوفه إلى الآخرين فيطلب منهم كذلك التحقق من عدم وقوع ما يخاف، فيقومون هؤلاء الأشخاص الذين هم من حوله بمشاركته الطقس ولكن دون أن يعلمون أنهم قد يزيدون من هذه الشكوك بفعلهم هذا .
فعلى سبيل المثال : (ج) تطلب من زوجها قبل أن تنام في كل ليلة أن يتحقق من أن الفرن مقفل و أن الأبواب مقفلة وذلك لأن هناك فكرة تتكرر في عقلها أن الأبواب غير مقفلة رغم أن هي بنفسها اقفلتها فيقوم الزوج بدوره ويقوم بالفحص كلما طلبت منه زوجته ويعود ليطمأنها أنه تأكد من إغلاق كل شيء . الزوجة تطمئن لزمن قليل ولكن وللأسف بعد ذلك تعود لها مثل الفكرة الملحة حتى وإن كانت نائمة فإنها تستيقظ فزعة من نومها وتذهب مجدداً لتتحقق من كل شيء مرة اخرى بنفسها .
رغم أن الزوج كان ينوي التخفيف عنها من خلال تنفيذ طلبها في التحقق إلا أنه اصبح شريكاً لها في الوسواس والطقس بشكل غير مباشر ولكن له اثر واضح وهي أن الشكوك لم تنتهي بل عاودتها مجدداً .
هل يمكن للطمأنينة المفرطة التي تجعل الاهل طرفا في الطقس أن تعيق المريض من التحسن ؟
نعم، لأن الحل الوحيد للتحسن هو أن يصل المريض إلى مرحلة ( التعود ) وهي أن يتعرض لكل ما يثير قلقه ويمتنع عن الأفعال القهرية المصاحبة لذلك الخوف و ليس مشاركته في تجنب المثيرات أو تخفيف شعور القلق لديه. فإذا أعتمد الشخص على طلب الطمأنينة كلما واجهه الخوف فإنه بذلك يمنع التعرض ويشعر بالتحسن في اللحظة الآنية ولكن عندما يعود الشك مجدداً إليه فإنها تأتي بشكل أقوى من السابق وهذا هو ما تفعله الطمأنينة المغلوطة.
إذاً ماذا نفعل بدلاً من أن نطلب الطمانينة المغلوطة؟هل نشارك المريض في طقوسه؟ لا ، لا تشارك المريض في طقوسه ولكن قدم له الدعم (Support) لأن المشاركة في الطقس هي طمأنينة خاطئة وهنا يوجد فرق .
فالدعم هو محاولة أن تجعل شخصاً آخر يشجعك أثناء التعامل مع القلق الناتج من هذه الشكوك، أي أن نسمح بوجود الشكوك والقلق دون ان نمنعها فنعرقل نجاحنا أو أن نشارك في طقوس المريض وبالتالي نعرقل فعالية التقنية في العلاج.
ختاماً عزيزي القارىء نريد أن نذكرك بالتالي :
١ – التطبيق مؤلم ولكن لا يضرك.
٢- سيختفي القلق وينتهي الوسواس في النهاية لطالما أنت مستمر ومنتظم في ممارسة التقنية، سيختفي وينتهي في النهاية لطالما أنت مستمر ومنتظم في ممارسته.
٣- قاوم السلوك القهري ولكن لا تقاوم الفكر الوسواسي .
٤- إذا كانت أفكارك أو وساوسك تشمل القلق على إيمانك أو الدين فأحياناً يمكن أن يكون من المفيد التحدث إلى رجل دين لمساعدتك على التأكد من إذا كانت المشكلة حقاً مرضية .
أن تقرأ عن هذه التقنية فهذا جميل وبداية حسنة و لكن التحدي ان تبدأ فعليا وعملياً في التطبيق، والنجاح هو أن تلتزم وتسمتر بها وأما التعافي الذي تسعى إليه فهو النتيجة الحتمية لجهدك الحثيث والمستمر في التطبيق.