معنى الرضا والسخط
الرضا: سرور العبد من الحق تعالى وأرادته ومقدراته. وهو فوق مقام التسليم ودون مقام الفناء، وفي تعريف آخر: الرضا اسم لوقوف العبد الصادق على المزادات الإلهية بحيث لا يتبع إرادته هو. باختصار لا يكون للعبد إرادة من نفسه، بل من الحق، والكاتب لا يقبل به.
ولازم سرور العبد سروره من الخلق أيضًا، فالعارف هش بش بسّام يبجل الصغير من ترضعه كنا يبجل الكبير.
الرضا من جنود العقل ولازم للفطرة المخمرة
كما أن السخط من جنود الجهل ولازم للفطرة المحجوبة
الانسان غير المحتجب يرى أنه لا يأتي من الجميل المطلق إلا مطلق الجميل بعين العيان والمشاهدة الحضورية، فيرى العشق والرضا في جميع أنظمة الوجود لأنهما لازمان للكمال المطلق.
أما الانسان المحتجب (صاحب الفطرة المحجوبة) حيث شخّص الكمال في أمور أخرى، فلذلك سروره وفرحه مرتبط بذلك الأمر، فالسخط والغضب على الحق من جنود إبليس والجهل ولازم الفطرة المحجوبة.
مراتب الرضا
الدرجة الأولى: الرضا بمقام ربوبية الحق تعالى، ويتحقق بأن يجعل العبد نفسه تحت ربوبية الحق تعالى، ومادام للشيطان تصرف في العبد قلبه بدنه فهو خارج من سلطة الربوبية، وعلامة هذه الدرجة عدم الشعور بمشقة التكليف والرضا بالأوامر الإلهية ومسرورًا.
الدرجة الثانية: الرضا بقضاء الحق تعالى وقدره، بمعنى الرضا بكل الحوادث حلوها ومرها، حتى تتساوى عنده البلايا والأمراض وعكسها، في الرواية عن الباقر عليه السلام أنه سأل جابر بن عبدالله الأنصاري كيف تجد حالك؟ قال: أنا في حال الفقر أحب إليّ من الغنى، والمرض أحب إليّ من الصحة، والموت أحب إليّ من الحياة ، فقال الباقر عليه السلام: أنا نحن أهل البيت فما يرد علينا من الله من الفقر والغنى والمرض والصحة والموت والحياة فهو أحب إلينا.
الدرجة الثالثة: مقام المحبة والجذبة وهي الرضا برضا الله فلا يكون الرضا نابعًا من نفسه بل تابعًا لرضا الله (رضا الله رضانا أهل البيت).
مبادئ مقام الرضا
أول مرتبة ينالها العبد هي العلم بأن الحق تعالى جميل ذاتا وصفة وفعلًا ، والتوقف عند هذه المرتبة من الحجب (العلم هو الحجاب الأكبر)، فلا تنتج من هذا العلم الأخلاق لانها من توابع المعارف.
المرتبة الثانية: تصل أوصاف جمال الحق وأفعاله إلى القلب بأن يؤمن بأن الله جميل، وإخضاع القلب لآثار جماله، وهذه أول مقام الرضا.
المرتبة الثالثة: يصل العبد لدرجة الاطمئنان.
المرتبة الرابعة: مقام المشاهدة، وهم الدين كنسوا بيت القلب من غبار التوجه إلى غير الله تعالى، ولهذه المرتبة ثلاث درجات (مشاهدة تجلي الأفعال – مشاهدة تجلي الصفات والأسماء – مشاهدة تجلي الذات)، في الحديث عن الصادق عليه السلام: إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل).
ابتلاء المؤمنين
عن الصادق عليه السلام: “إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، وما أحب الله قومًا إلا ابتلاهم”، وعنه عليه السلام: “إن لله عز وجل عبادًا في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بلية إلا صرفها إليهم “، والسبب أنهم إذا تُركوا لركنوا إلى الدنيا.
فضيلة الرضا وذم السخط من طريق النقل
عن الصادق عليه السلام: “رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحب العبد أو كره، ولا يرضى عبدٌ عن الله فيما أحب أو كره إلا كان خيرًا له فيما أحب أو كره”.
عنه عليه السلام؛ إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله تعالى”، وعنه عليه السلام: “لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لشيء قد مضى: لو كان غيره”.
في الحديث أن موسى على نبينا وآله وعليه السلام أنه قال: يا رب أرني أحب خلقك إليك، وأكثرهم عبادة، فأمره الله تعالى أن ينتهي إلى قرية إلى ساحل بحر، وأخبره أنه يجده في مكان قد سمّاه له، فوصل إلى ذلك المكان فوقع على رجل مجذوم، يسبح الله تعالى، فقال موسى لجبرئيل: يا جبرائيل أين الرجل الذي سألت ربي أن يريني إياه ؟ فقال جبرائيل هو يا كليم الله هذا، فقال: يَا جبرائيل إني كنت أحب أن أراه صوّامًا قوّامًا، فقال جبرائيل: هذا أحب إلى الله تعالى وأعبد من كثير من الصوّام والقوّام، وقد أُمرت بإذهاب كريمتيه فاسمع ما يقول، فأشار جبرائيل إلى عينيه فسالتا على خديه، فقال: متعتني بهما حيث شئت وسلبتني إياهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل، يا بار و يا وصول، فقال له موسى: يا عبد الله إني رجلٌ مجابُ الدعوة فإن أحببتَ أنْ أدعوَ لك الله تعالى يرد أعضاءك ما ذهب من جوارحك، ويبرئك من العلة فعلت، فقال رحمة الله عليه لا أريد شيئًا من ذلك، اختياره لي أحب إليّ من اختياري لنفسي، فقال له موسى سمعتك تقول يا بار يا وصول، ما هذا البر والصلة الواصلان إليك من ربك ؟ فقال: ما أحد في هذا البلد يعرفه غيري – أو قال يعبده- فراح عليه السلام متعجبا، وقال: هذا أعبد أهل الدنيا”.