تعريف الرياضة الروحية
قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ سورة المؤمنون، الآية ٦٠، والمقصود من الرياضة هنا هو التعود على الشيء و ترويض النفس لتحمله، سواء أكان هذا الشيء يسيرًا أم عسيرًا، فكلما كبر هدف الإنسان زادت همّته وزاد تحمله، وما سيأتي هو مثال لأنواع الرياضات التي ينبغي للإنسان القيام بها في حياته اليومية، وعليها فليقس كل أهدافه وينطلق فيها.
فالآية تشير إلى وجوب الصدق واليقين حال القيام بالأعمال، وهذا أمر ليس متاحًا بشكل سهل للجميع، وإنما ينبغي التمرن عليه وترويض النفس لاكتسابه بشكل يومي وحياتي، ولا ينفصل في عمل دون آخر، بل هو أمر متواصل مادام الإنسان يسعى إلى تطوير ذاته واكتساب رضا الله تعالى في دنياه وآخرته، ولذا نرى الآية الشريفة قد ذكرت لفظة “الوجل“. والوجل هو المخافة بأن لا يُقبل العمل المأتي به لوجه الله تعالى، فتطلب منهم أن يعوّدوا أنفسهم على الصدق في التوجه لله حال القيام بأعمالهم وتيقن المثوبة من الله تعالى وإبعاد الشك عنهم. قال تعالى ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِۦ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ* وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾سورة الشورىن الآيتان ٢٥ و٢٦. فالآية الشريفة تحثنا على استدامة ترويض أنفسنا وعدم الغفلة عنها حتى نبلغ الطمأنينة واليقين، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ سورة العنكبوت، الآية ٦٩، فالمجاهدة هنا هي الرياضة والتمرين ومخالفة الهوى ومعارضة النفس فيما تبغيه وتريده، وكلما كثر تمرين العبد لاكتساب صفة حسنة أو ترك صفة سيئة يصله المدد من الله تعالى بالهداية.
وللتوضيح نضرب أمثلة عن الرياضة الروحية :
● من اعتاد على كثرة الكذب لا يمكنه التخلص من هذه العادة إلا بالتمرن على قول الصدق شيئًا فشيئًا، فيبدأ بالمسك عن الكلام والتريث في النطق وعدم الاستعجال في كلامه والتنبه من الوقوع في الكذب، ووضع رقيب على لسان بأن الله تعالى يراقبه، وفهم أن هذه الصفة مذمومة، ومن شأنها أن تسقطه من عين الله تعالى وعيون عباده.
● من اعتاد الكسل والركون للدعة والاسترخاء فعليه أن يضع لنفسه خطة لتغير واقعه ويغير من أسلوب حياته اليومي ويوجد أفضل ما يشغل به نفسه ويجدد أهدافه ويستفيد من خطط وتجارب الآخرين في هذا المجال، وألا يسمح لنفسه بالرجوع إلى الوراء خطوة واحدة عن ما اكتسبه من إيجابيات أو فقده من سلبيات.
● حتى في مضمار فقد الوزن للذين قد اكتسبوا أوزانًا زائدة لابد لهم من التمرين ومواصلة الرياضة البدنية بأسلوب مدروس ومتقن وعدم التراخي أو الانشغال عن الهدف الذي وضعوه لأنفسهم للتخلص من الوزن الزائد.
● وعلى صعيد اكتساب القرب من الله تعالى أكثر عبر الإتيان بالمستحبات كصلاة الليل، فمن الممكن أن يعمد الإنسان إلى وضع خطة طويلة الأمد يمارس من خلالها تعويد نفسه على القيام بهذه النافلة المهمة والمتميزة بشكل لا تنفر منها النفس وبصورة تدريجية ليكون قريبًا من الله تعالى في أوقات تغفو فيها أعين كثير من الخلق فيبدأ بإتيان ركعتي الشفع والوتر في بادئ الأمر لمدة زمنية بشكل مستدام وقبل النوم، حتى ترتاض نفسه على القيام بها وتألفها وتتنكر لعدم القيام بها، ومن ثم يزيد على الركعات الثلاث ركعتين، وهكذا، حتى يدمن القيام بها. وبالتجربة ونقول إن هذا الأمر متحقق وممكن، بل وفي غاية المتعة بشرط وضع الهدف دائمًا نصب العين.