الفصل الأول: الموت والأجل
قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) سورة الحجر، آية ٨٥ فالآية تدل أن مَنْ في السماء وَمَنْ في الأرض وما بينهما له أجل “مسمّى” بمعنى محدود ومقدّر لا يتعداه، و“أجل الشيء” تعني الزمان الذي ينتهي عنده، فلذلك يستعمل في الدَيْن، قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ) سورة الأنعام، آية ٢، وبضميمة قوله تعالى (مَاعِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فالأول عنده سبحانه وما عنده لا يتأثر لعوامل الدهر وظروف الزمان .
فالأجل نوعان:
١- الأجل الزماني الدنيوي.
٢- الأمر الإلهي.
الموت
وهو انتقال من نشأة الدنيا ودخول نشأة الآخرة، كما وصفه الله سبحانه بالحق (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) سورة ق، آية ٩٦، فحياة الإنسان على الأرض بعدما أنزل هذه الحياة من السماء إلى الأرض، وعندما يوجد الباري الفراق بين هذين الشأنين، يحدث الموت، وعند ذاك يعود شأن الآخرة إلى السماء، إذن الحياة على الأرض، والموت في السماء، وروي عن الإمام العسكري يصف الموت بأنه آخر محطة لتطهير النفس من الذنوب، في رواية أخرى عن الحسين عليه السلام إذ كانت تعلو أصحابه الطمأنينة فكان يقول لهم: أيها العظام عليكم بالصبر فما الموت إلا جسر ينقلكم من عالم الشدائد والمصاعب إلى الجنة الواسعة والنعم الدائمة.
وفِي رواية عن الباقر عليه السلام أن السجاد عليه السلام سُئل عن الموت فقال بأنه للمؤمن كخلع ملابس قذرة وفك قيود وسلاسل ثقيلة، ويقول الباقر عليه السلام: بأنه النوم الذي يأتي الانسان كل ليلة إلا أنه أطول منه مدة.
الذي ينتقل إلى النشأة الآخرة هي الروح قال تعالى (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) سورة الإنشقاق، آية ٦، والله سبحانه يتوفى الأنفس، وتارةً ينسب لملك الموت وتارةً أخرى ينسبه للملائكة، فالمرجع والمصدر واحد هو سبحانه إذ يتم ذلك بأمره وذلك راجع لمستوى النفس المتوفاة، وفِي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام مفادها أنَّ هناك ملائكة تحت إمرة ملك الموت فيأتون بالارواح له ثم يتوفاهم الله عز وجل.
التوفي يتم من داخل النفس لا من خارجها أو من البدن، فالله سبحانه يقول( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) سورة سبأ، آية ٥١، وقال تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ) سورة الواقعة، آية ٨٥.
والموت يكشف للانسان الحقيقة، فالموت يبطل كل ما كان في الدنيا من تصورات وأوهام وستتحول الطموحات الدنيوية إلى سراب، وعندما تفارق الروح البدن فلا طاقة على اختيار فعل أو تركه يقول تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) سورة الأنعام، آية ١٨٥، ويواجه الانسان طريقين أمامه، طريق السعادة وطريق الشقاء، والبشارة بالجنة تحصل قبل دخولها ولا يمكن أن تتحقق في الدنيا إلا في حالة أن يتولى الله تعالى تدبير أمورهم، والمؤمنون يرجعون أمرهم إلى الله بشكل كامل دون أن يتدخلوا فيه.
وفي رواية: سأل سدير الصيرفي الإمام الصادق عليه السلام: جعلت فداك يابن رسول الله صَلَّى الله عليه وَآلِهِ هل يكره المؤمن أن تقبض روحه؟ فيجيب عليه السلام بالنفي: أن ملك الموت يأتي إلى الإنسان ليقبض روحه، فيبدي هذا الإنسان امتعاضًا في البداية، ثم يطمئنه ملك الموت ويقسم له بالله الذي بعث محمدًا صَلَّى الله عليه وَآلِهِ بالرسالة، أنه أرحم به من أبيه، ثم يطلب منه أن يفتح عينيه وينظر، فيفعل الرجل، فإذا به يرى أمامه الرسول صَلَّى الله عليه وَآلِهِ وأمير المؤمنين والحسن والحسين وأبناءهم المعصومين، فيعرّفهم ملك الموت الإنسان ويخبره بأنه سيكون جليسهم، ثم يسمع الرجل مناديًا من جانب الحق أن (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) سورة الفجر، آية ٢٧، بمحمد وأهل بيته (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) سورة الفجر، آية ٢٨، مشمولة بولاية الأئمة مسرورة بها ومرضية من قبل الباري عز وجل، فادخلي في زمرة عبادي الصالحين وادخلي جنتي التي أعددتها.
الفصل الثاني: عالم البرزخ
العوالم بحسب الترتيب:
١- عالم الجسم والجسمانيات.
٢- عالم المثال.
٣- عالم العقل.
٤- عالم أسماء الله .
ولكل عالم مراتب متباينة.
ما يصدر من صاحب المرتبة العالية ينزل إلى المرتبة الأقل فتكون كالمرآة، تعكس ما يسقط عليها من أضواء وألوان، وفي النتيجة فإنَّ طبيعة وكيفية العالي تظل مرهونة بنقص المرآة وكماالها.
وعالم البرزخ يقع بين عالم العقل المجرد والمجردات المادية، وهو موجود ولكنه ليس بمادي ولكنه يحمل بعض صفات المادة كالمقدار – الشكل – العرض الفعلي، قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) سورة هود، آية ١٠٦ – ١٠٧.
المقصود بها السموات والأرض الموجودة قبل القيامة، وحينما تقوم الساعة تتبدل إلى سموات وأرض أخرى، قال تعالى (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)سورة المؤمنون، آية ١٠٠، يقصد بالبرزخ الثواب والعقاب قبل الآخرة وكذلك قوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) سوة غافر، آية ٤٦.
تجسّم الأعمال
عندما يصبح الإنسان في آخر ساعة من حياته وأول ساعة من آخرته تتجسم أعماله وأبناؤه وأمواله، وتدور محادثة بينه وبينها، والنتيجة أن عمله سيبقى معه فقط، ثم يأتيه الملك بحسب صالح عمله وسوئه، وكذلك البشارات أو عكسها، قال تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) سورة إبراهيم، آية ٢٧، فالله سبحانه يثبّت المؤمنين بهذه الكلمات الطيبة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) سورة فاطر، آية ١٠، في الدنيا والآخرة فهو يقرن بين الكلام بلحاظ نية الانسان بصفة الثبات، والنتيجة:-
١- أمّا يثبت الانسان بالقول الثابت.
٢- وإمّا ينزلق ويضل بالقول غير الثابت (الكلمة الخبيثة).
البرزخ استمرار للحياة الدنيا فلذلك وُصف في القرآن “بالمقيل” أي نوم القيلولة في فترة ما قبل الظهر، والمقصود أنّ البرزخ بمثابة القيلولة قبل قيام القيامة، والروايات تشير لفتح باب للجنة أو للنار لا لدخولهما، فالبرزخ عينة للقيامة، وأول خطوة في البرزخ قوله تعالى (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى) سورة الرفقان، آية ٢٢ .
المحاسبة في القبر للمؤمنين والظالمين فقط، أما المستضعفون والمتوسطون لم تتطرق لهم الآيات، وفي رواية عن الصادق عليه السلام أن المؤاخذة والمحاسبة في القبر تشمل أهل الإيمان المحض وأهل الكفر المحض دون الآخرين، كما أنّ المستضعفين والبلهاء والأطفال وأبناء المسلمين الذي لم يبلغوا الرشد فأمرهم عند الله تعالى (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة، آية ١٠٦.
ينقل الشيخ المفيد عن الصادق عليه السلام أن الإنسان عندما تقبض روحه فإنّ الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا، وتتجمع الأرواح على شجرة في الجنة لتتعارف بينها، وكلما التحقتْ بها روح جديدة قيل: افسحوا لها فإنها قادمة من الأهوال والخوف العظيم.
لقاء الأموات بذويهم
هناك عدة روايات تشير أنَّ المتوفى يلتقي ذويه الأحياء، سأل اسحاق بن عمار الإمام الحسن عليه السلام: هل يزور المتوفى ذويه أم لا؟ فيجيب الإمام: نعم، ثم يسأله: كم مرة يزورهم؟ فيجيب الإمام عليه السلام: بأنَّ ذلك يعود لمنزلته ومقامه عند الله، فقد يكون كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام، ثم يسأله: وكيف يزور المتوفى ذويه؟ فيجيب الإمام عليه السلام: بأنه يزورهم كما يقف الطير الجميل على حائط دارهم ويطلع على ما يعلمون، فيفرح إذا رآهم في خير وعافية ويحزن إذا رآهم في ضيق وأذى.
حديث الشيطان مع أتباعه في القبر
قال تعالى( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) سورة الزخرف، آية ٣٦، في رواية عن الصادق عليه السلام إن الميت إذا كان كافرًا يقول له الملكان: مَنْ هذا الذي معك؟ فيقول؛ لا أدري، فيتركه الملكان وحده مع الشيطان، وما ورد عن البرزخ ما هو إلا عموميات أوردت للمثال.
الروايات اعتبرت الأرض مكانًا للجنة والنار، والموقع الذي تلتقي فيه بذويك بعد الموت، مكان اجتماع الأرواح هو عند قبة الصخرة في بيت المقدس، وجنة البرزخ في وادي السلام والنار في وادي برهوت.